للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مستقل، أو هو صورة مجردة معنوية؟

استعرضنا هذه الآراء اليونانية لنثبت أن نظرية وحدة الوجود ليست شيئاً جاء به محمد أو تضمنه الإسلام، لأنها إفك لم ينته الفلاسفة من شأنه إلى شئ يطمئن إليه قلب أو يؤمن به عقل، ولأن الإسلام دين الفطرة ودين الاستقرار يأبى أن يسلم الناس لفوضى لا ضابط لها ولا خير للأنام فيها، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن التفكير في ذات الله، وأمرهم بإدمان التفكير في مخلوقاته، كان الحكيم الأعظم الذي يهدي للرشد ويجنب الأمة مهاوي الضلالات، وإن أخذنا أخذ رسول الله ليس دعوة إلى الجمود والحجر على حرية الفكر، ولكنها دعوة ضد الباطل الذي ندعي إليه ولا خير لنا فيه. . . بل هي تصرفنا عن الجد الذي تأخذ به أمم العالم نفسها إلى هذا العبث الذي يضحك الدنيا بأسرها علينا، ويجعلنا موضع سخريتها وازدرائها. . . لقد أمرنا نبينا بالتفكير في مخلوقات الله لنستثمر تفكيرنا في مخلوقاته في صنع مدنيتنا وتوفير سعادتنا، ولو قد عرف رسول الله خيراً في التفكير في ذات الله لما ضن به علينا، ولكنه أشفق على هذا العقل البشري الذي لم يطلع من أسرار الوجود إلا على أتفه مقدار لا يعتد به. . . أشفق عليه من مثل هذا الضلال الذي انتهى إليه الفلاسفة من بحثهم في ذات الله. . . أليس حسبنا أن نعقل أن هذا الوجود الغائي الجميل لا يمكن أن يكون موجوداً بنفسه! ألم ندرس علم طبقات الأرض وعلم الفلك وعلم الحياة وعلم النفس؟ أي مقدار عجيب من المعرفة هدتنا إليه هذه العلوم؟ أكل هذا السحر العلمي المعجز شئ لم يهبنا إياه إله حكيم قادر؟ ثم هذه الوحدة الوجودية التي يهرف بها عقل المخرفون: هل لها عقل؟ وهل ترى وتسمع، وهل هي مادة صرفة أو روح صرف، أو مادة وروح؟ ثم ما قيمة نظرية خائبة لا تفرق بين الخير والشر، وبين الأبيض والأسود، وبين التقوى والدعارة، وبين الزهد والجشع، وبين الفضيلة والرذيلة، وبين السجود بين يدي الله، وإكباب المرء على حيلته؟! ما هذا البلاء الذي يدعونا المأفونون إليه، ويزعمون أن عدم أخذنا به ووقوعنا فيه هو سبب تخلفنا وعلة تأخرنا؟ ماذا يريد هؤلاء؟ أيريدون أن تكون الدنيا داراً واسعة شاسعة يعمرها قوم من المجاذيب؟! هل فرغنا من استكناه أسرار خلق الله، فلم يعد إلا التفكير في ذات الله؟! هل انتصرنا على أمراضنا فشفيناها، وعلى مشكلات الفقر والجوع والجهل فمحقناها، وعلى استئصال الشر من النفس الإنسانية فمنعنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>