وبدعوتها ومذهبها الديني، فقررت أن تحتفل إلى جانب المولد النبوي، بموالد خمسة أخرى هي مولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومولد زوجه السيدة فاطمة الزهراء التي ينتسب الفاطميون إليها، ومولد الحسن، ومولد الحسين ابني علي، ومولد الخليفة الفاطمي القائم في الملك؛ هذا إلى مواسم وأعياد أخرى كيوم عاشوراء (عاشر محرم) الذي قتل فيه الحسين، وليلة أول رجب ونصفه وليلة أول شعبان ونصفه وهي ليالي الوقود الشهيرة؛ ثم كانت هنالك أعياد قومية أخرى كيوم فتح الخليج، ويوم الميلاد النصراني ويوم النوروز، ويوم الغطاس؛ ذلك أن الخلافة الفاطمية لم تنس أن تشمل رعاياها النصارى برعايتها وتسامحها في إحياء هذه الأعياد القومية القديمة بصفة رسمية، وفي أن تسبغ عليها من البهجة والبهاء ما يسبغ على الأعياد الأخرى.
وكان المولد النبوي الكريم في مقدمة الأعياد الإسلامية المقدسة، تحتفل به الدولة طبق رسوم معينة، ويحتفل به الشعب في فيض من الضجيج والمرح. وقد وصف لنا مؤرخو الدولة الفاطمية المعاصرين، كابن زولاق، والمسبحي، وابن الطوير، وابن المأمون، طرفاً من هذه المناظر والرسومالشائقة؛ وخلاصة هذه الرسوم، هو أنه إذا حل المولد النبوي، يطلق من الخزينة مبلغ كبير برسم الصدقات، ويطلق من دار الفطرة أربعون صينية فطرة ومن الخزائن سكر ولوز وعسل وزيت برسم خدمة المزارات التي بها - حسب قولهم - بعض أعضاء آل البيت، ويوزع من الحلوى بضع مائة ألف رطل، وكذا من الخبز كمية كبيرة. وفي يوم المولد النبوي - الثاني عشر من ربيع الأول - يخرج الخليفة في موكبه ليجلس في المنظرة الخلافية المجاورة للمشهد الحسيني؛ وهي أقرب المناظر إلى القصر؛ وتكون دار الفطرة قد أعدت ثلاثمائة صينية مجهزة بالحلوى اليابسة لتفرق في كبار الموظفين والقضاة، وفي مقدمتهم قاضي القضاة وداعي الدعاة، وقراء الحضرة وخطباء المساجد الجامعة. وعند الظهر يركب قاضي القضاة في موكبه من عند القصر، ويخلى ميدان القصر من الجماهير، ويترك للجمهور السلوك من ناحية أو اثنينْ، ويقوم والي القاهرة بالمحافظة على النظام مع رجاله؛ ويصل موكب قاضي القضاة من ناحية، ويصل موكب الحاجب الكبير من ناحية أخرى إلى ساحة المنظرة الخلافية وقد فرشت بالرمل؛ ويقف الجميع في الساحة متشوقين لرؤية الخليفة. وبعد نحو ساعة يطل الخليفة من إحدى