مجالات النحت والتصوير لم يبلغوا شأوهم كما بلغوا الشأو والغاية في صناعتي الشعر والنثر، ولم ينجبوا من أعلام النحت والتصوير من توازي مكانته العالمية مكانة شكسبير وملتون وبيرون؛ ولكن تفترق الأمتان في أنه بينما مارس الإنجليز الفنون الأخرى وهاموا بها ومجدوا آثار الأمم الأخرى فيها أهمل العرب الفنون الأخرى إهمالاً يكاد يكون تاما، فلم تجتذب اهتمام نوابغهم ومثقفيهم، وظل ما عرفوه منها أدنى إلى الصناعات منه إلى الفنون، وظل الأدب - ولا سيما الشعر - يشغل في عالم الفن والوجدان مكاناً عالياً وسلطة مطلقة فردية بين العرب، كسلطة الخلفاء والأمراء المستبدة في عالم السياسة، متوحداً بالإفصاح عن أفكارهم مستأثراً برعايتهم وإجلالهم.
وقد خسر الأدب العربية بتفرده هذا الشيء الكثير، لأن الفن الواحد لا ينمو خير نموه بعزلته، بل بمواصلته الفنون الأخرى؛ خسر ما كان ينتظر أن تمده به تلك الفنون من إلهامات ومنادح للقول، وما كان ينتظر أن تبثه في رجاله من فهم دقيق للفن وسمو غايته وتعاليه عن المادة وبعد مراميه، وما توحيه إليهم من وسائل للتعبير والتصوير والملاءمة بين المعنى واللفظ، وجعل الأخير دائماً خادما للأول. وبالجملة خسر الأدب معاونة الفنون التي استأثر بالمكانة دونها، كما خسر مساعدة الآداب الأجنبية التي ترفع عنها.