لنا أن الأدب كان فن العرب الفرد، وأن الشعر ظل ديوانهم في مختلف عصورهم، أودعوه حوارهم فاستغنوا عن التمثيل، وأوصافهم فاستغنوا عن التصوير، وأمداحهم فقام مقام التماثيل.
ومن ثم نرى أثر فنون التمثيل والتصوير والنحت في الأدب العربي ضئيلاً: فلم يكن بين العرب ممارسون لتلك الفنون ينعكس ظل فنونهم في الأدب؛ ولم يكن لدى أدباء العربية كبير اهتمام بمخلفات الأمم السالفة في مشارق دولتهم ومغاربها. ومن القليل الجيد الذي نظموه في تلك المناحي سينية البحتري التي يصف فيها نقوش إيوان كسرى، ورائية ابن احمد يس التي يصف فيها تماثيل الأسود في بعض القصور، وسينية أبي نواس التي يصف عرضاً في أثنائها تصاوير كأسه في قوله:
قرارتها كسرى وفي جنباتها ... مهاً تدَّريها بالقسي الفوارس
فللخمر ما زُرت عليه جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس
وقول بعض شعراء الأندلس في تمثال امرأة وولدها:
ودمية مرمر تزهو بجيد ... تناهي في التورد والبياض
لها ولد ولم تعرض خليلا ... ولا أَلَمتْ بأوجاع المخاض
ونعلم أنها حَجَرٌ ولكن ... تتيمّنا بألحاظٍ مِراَض
ولا تخلوا كل هذه الشواهد من آيات البراعة وحسن الملاحظة والوصف، حتى ليأسى المرء على أن لم يول العرب هذه المناحي من القول اهتماماً أكثر مما أولوها. وسينية البحتري مثل شرود من أمثلة الشعور الصادق والعاطفة الإنسانية والروح الفنية في الأدب العربي؛ وأعجب من تفردها في الأدب العربي صدورها عن البحتري الذي سخر بيانه للمدح والهجاء. وقد كان نقاد العرب يطربون لهذه الأشعار الفنية الجميلة، البعيدة عن آثار المدح والهجاء والنسيب المتكلف، فقد أعجب الجاحظ وغيره بسينيتي البحتري وأبي نواس سالفتي الذكر، وعدوهما من ذخائر الشعر العربي، ولكن دواعي مثل هذا النظم كانت نادرة، وتيار محاكاة السابقين كان يدفع الأدباء في غير هذا الاتجاه.
فالأمتان العربية والإنجليزية تتفقان في ظهور الأدب فيهما على سائر الفنون واجتذابه أغلب نوابغهما، واشتهارهما بالسبق فيه بين الأمم، فان الإنجليز وإن جاروا الأوربيين في