لبنان، ومن لبنان يا أيها السادة! وهل كان يظن الإنكليز أنهم سيضطرون إلى الخروج من وادي مصر، وان العراق سيقطع اليد التي تحاول أن توقع معاهدة ليس فيها خير العراق، وهل كان يظن أحد أن الهند، الهند ستتحرر وإنها ستكون في الدنيا دوله إسلامية فيها مئة مليون.
أن هذه المظاهرات، وهذه الثورات، حركات السائل الناري في باطن الأرض، إنها الهزة، ثم تكون الرجفة، ثم يكون الزلزال. ثم ينفجر البركان بالحمم، وتفتح أبواب جهنم، فلا يقف أمامها من الشياطين، ولو كان له مال (حاييم)، ودهاء (جان بول)، وقوة (الدب)، وأقدام العم (سام).
لسنا اليوم كما كنا من خمسين سنة، كنا نخاف أوربة لأننا نجهل ما عندها، وكنا نخشاها لأننا ما عرفناها، أما اليوم فقد هتك الستار، وكشفت الأسرار، وعرفنا أن هذه المدنية مدنية الظفر والناب وإنها حضارة الذئاب. . .
فيا أيها العرب، فوق كل أرض، وتحت كل سماء، لقد جئت الليلة، ليلة هجرة محمد، أستحلفكم بقبر محمد، وبالمسجد الأقصى، وبمهد عيسى، وبأمجاد الماضي، وبآمال الآتي، أن تثقوا بربكم، وأن لا تعتمدوا إلا على نفوسكم، وأن تعلموا أن النازلات امتحان للهمم، وتمحيص للأمم، وأن لا تكفروا بالبطولة التي صبها في دمائكم يا أيها العرب، سيد العرب محمد، وأن تأخذوا من سيرة محمد الذي اجتمعتم الليلة للاحتفال بذكراه دروس البطولة والعزم والنضال.
وأن تذكروا موقف محمد يوم كانت المدينة على حافة الخطر وكانت معرضة لأقوى هجوم يمكن أن تقوم به جزيرة العرب، وكان على الطريق إليها ثلاثة جيوش فيها عشرة آلاف مقاتل، والمسلمون كل المسلمين يومئذ ثلاثة آلاف، وأن المدينة قد (تسقط) بين ساعة وساعة، ويقضى على الإسلام، فماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماذا صنع المسلمون؟
هل تحيروا حتى لا يدرون ماذا يصنعون، فجعلوا يرتجلون الخطط، ويبتدعون الآراء؟ هل كفوا أيديهم عن العدو وأطلقوا ألسنتهم عليه، فرموه بالخطب والتصريحات؟ هل أضاعوا الفرصة وأمضوا الأيام في الاجتماعات والمؤتمرات؟ هل اختلفوا وتنازعوا؟ وهل فكر