للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لم يخلد الزهاوي إلى التبطل، ولم يعش على مروءات الناس كأكثر أهل الشعر، وإنما غامر في خطير الأمور، وطمح إلى بعيد المدارك، فملأ حياته بالأمل الدافع والعمل المثمر: عيين في بغداد عضواً في مجلس المعارف، ثم مديراً لمطبعة الحكومة، ثم محرراً للجريد الرسمية، ثم انتخب عضوا في محكمة الاستئناف. ودعاه الخليفة حين نبه ذكره إلى الأستانة فحرك فيها لسان النقد، واقض بها مضاجع الجاسوسية، فانتقض أمره وساء مقامه. فلما أعلن الدستور عين أستاذاً للفلسفة الإسلامية في (المكتب الملكي)، ثم مدرساً للآداب العربية في (دار الفنون)؛ ثم عاد إلى بغداد فعين أستاذاً للشريعة في مدرسة الحقوق، ثم انتخب نائباً عن العراق في مجلس المبعوثان؛ وهو في خلال ذلك كله حركة ذهنية دائرة، وجملة عصبية ثائرة، لا يفتر ليله عن الشعر أو القراءة، ولا يكل نهاره عن الحديث أو الكتابة، حتى غُلب الترك وأديل منهم في بغداد للعرب، فكان الشأن لأصحاب الجيش وأقطاب السياسة؛ أما الزهاوي وأمثاله من رجال الفكر والشعر فاتخذوا طريقهم على الهامش. وكان الشاعر قد ألقى للمجد معاذيره من السراق القوى واستحكام العلل، فبات يرسل الأقباس والأضواء من جسمه المتهدم وقلبه المتضرم حتى خمد.

(للكلام بقية)

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>