قبورها. . . ولكن موجز مقتصر على معنى هو جمهور هذه الأطراف كلها، وإليه وحده يرجع ما نحن فيه من التعادي بين الأذواق والإسفاف بمَنَازع الرأي والخلط والاضطراب في كل ذلك؛ حتى أصبح أمر الأدب على أقبحه، وهم يورنه على أحسنه، وحتى قيل في الأسلوب أسلوب تلغرافي، وفي الفصاحة فصاحة عامية، وفي اللغة لغة الجرائد، وفي الشعر شعر المقالة، ونجمت الناجمة من كل علة، ويُزَيَّن لهم أنها القوة قد استحصفت واشتدت، ونازع الأدب العربي إلى سخرية التقليد وإلى أن يكون لصيقاً دَعياً في آداب الأمم، واستهلكه التضييعُ وسوء النظر له على حين يؤتى لهم أن كل ذلك من حفظه وصيانته وحسن الصنيع فيه ومن توفير المادة عليه
أين تصيب العلة إذا التمستها؟ أفي الأدب من لغته وأساليب لغته، ومعانيه وأغراض معانيه؟ أم في القائمين عليه في مذاهبهم ومناحيهم وما يتفق من أسبابهم وجواذبهم؟
إن تقل إنها في اللغة والأساليب والمعاني والأغراض، فهذه كلها تصير إلى حيث يراد بها، وتتقلد البليَّة من كل من يعمل فيها؛ وقد استوعبت واتسعت ومادَّت العصور الكثيرة إلى عهدنا فلم تؤت من ضيق ولا جمود ولا ضعف. ثم هي مادة ولا عليها ممن لا يحسن أن يضع يده منها حيث يملأ كفهُ أو حيث تقع يده على حاجته
وإن قلت إن العلة في الأدباء ومذاهبهم ومناحيهم ودواعيهم وأسبابهم، سألناك: ولمَ قصروا عن الغاية، ولم وقعوا بالخلاف، وكيف ذهبوا عن المصلحة، وكيف اعتقمت الخواطر وفسدت الأذواق مع قيام الأدب الصحيح في كسبه مقام أمة من أهله أعراباً وفصحاء وكتَّاباً وشعراء؛ ومع انفساح الأفق العقلي في هذا الدهر واجتماعه من أطرافه لمن شاء؛ حتى لتجد عقول نوابغ القارات الخمس تحتقب في حقيبة من الكتب، أو تُصَندَقُ في صندوق من الأسفار
كيف ذهب الأدباء في هذه العربية نشراً متبددين تعلو بهم الدائرة وتهبط، فكل أعلى وكل اسفل. هذا فلان شاعر قد أحاط بالشعر عربيه وغربيه وهو ينظمه ويفتن في أغراضه ويولد ويسرق وينسخ ويمسخ، وهو عند نفسه الشاعر الذي فقدته كل أمة من تاريخها، ووقع في تاريخ العربية وحدها ابتلاء ومحنة؛ وهو ككل هؤلاء، المغرورين يحسبون أنهم لو كانوا في لغات غير العربية لظهروا نجوما، ولكن العربية جعلت كلا منهم حصاة بين