الحصى. وتقرأ شعره فإذا هو شعر تتوهم من قراءته تقطيع ثيابك، إذ تجاذب نفسك لتفر منه فراراً.
وهذا فلان الكاتب الذي والذي. . . والذي يرتفع إلى أقصى السموات على جناحي ذبابة.
وهذا فرعون الأدب الذي يقول: أنا ربكم الأعلى. وهذا فلان وهذا فلان.
أين يكون الزمام على هؤلاء وأمثالهم ليعرفوا ما هم فيه كما هم فيه، وليضبطوا آراءهم وهواجسهم، وليعلموا إن حسابهم عند الناس لا عند أنفسهم، فالواحدة منهم واحدة وإن توهموها مائة وتوهمها بعضهم ألفاً أو ألفين. ومتى قال الناس: غلطوا فقد غلطوا، ومتى قالوا: سخفاء فهم سخفاء.
وأين الزمام عليهم وقد انطلقوا كأنهم مسخرون بالجبر على قانون من التدمير والتخريب، فليس فيهم إلا طبيعة مكابرة لا إقرار منها، باغية لا إنصاف معها. نافرة لا مساغ إليها. متهمة لائقة بها، طبيعة يتحول كل شئ فيها إلى أثر منها كما يتحول ماء الشجر في العود الرطب المشتعل إلى دخان أسود.
يرجع هذا الخلط في رأيي إلى سبب واحد: هو خلط العصر من إمام بالمعنى الحقيقي يلتقي عليه الإجماع ويكون ملء الدهر في حكمته وعقله ورأيه ولسانه ومناقبه وشمائله، فان مثل هذا الإمام يُخَصُّ دائما بالإرادة التي ليس لها إلا النصر والغلبة، والتي تعطي القوة على قتل الصغائر والسفاسف؛ وهو إذا ألقى في الميزان عند اختلاف الرأي، وُضع فيه بالجمهور الكبير من أنصاره والمعجبين بآدابه، وبالسواد الغالب من كل الفاعليات المحيطة به والمنجذبة إليه؛ ومن ثم تتهيأ قوة الترجيح ويتعيَّن اليقين والشكر. والميزان اليوم فارغ من هذه القوة فلا يرجح ولا يعيَّن
ومكانة هذا الإمام تحدُّ الأمكنة، ومقداره يزن المقادير، فيكون هو المنطق الإنساني في اكثر الخلاف الإنساني: تقوم به الحجة فتلزم وإن أنكرها المنكر، وتمضي وإن عاند فيها المعاند، ويؤخذ بها وإن أصر المصر على غيرها. لن بالإجماع على القياس يَبين التطرف في الزيادة أو التقصير؛ والإجماع إذا ضرب ضرب المعصية بالطاعة، والزيغ بالاستقامة، والعناد بالتسليم؛ فيخرج من يخرج وعليه وَسمُهُ، ويزيغ من يزيغ وفيه صفتُه، ويصرُّ المكابر واسمه المكابر ليس غير وإن هو تكذَّبَ وتأولَّ، وإن زعم ما هو زاعم