ولكل القواعد شواذّ ولكن القاعدة هي إمام بابها؛ فما من شاذٍّ يحسب نفسه منطلقاً مخلّى، إلا هو محدود بها مردود اليها، متصّل من أوسع جهاته بأضيق جهاتها؛ حتى ما يعرف إنه شاذ إلا بما تعرف به أنها قاعدة؛ فيكون شأنه في نفسه بما تعّين هي له على مكرهته ومحبته
والإمام ينبث في آداب عصره فكراً ورأياً، ويزيد فيها قوة وإبداعاً، ويزين ماضيها بأنه في نهايته، ومستقبلها بأنه في بدايته، فيكون كالتعديل بين الأزمنة من جهة، والانتقال فيها من جهة أخرى؛ لأن هذا الإمام إنما يختار لإظهار قوة الوجود الإنساني من بعض وجوهها ولإثبات شمولها وأحاطتها كأنه آية من آيات الجنس يأنسُ الجنس فيها إلى كماله البعيد، ويتلقى منه حكم التمام على النقص، وحكم القوة على الضعف، وحكم المأمول على الواقع، ويجد فيه قومه كما يجدون في الحقيقة التي لا يكابر عندها متنطع بتأويل، وفي القوة التي لا يخالف عندها مبطل بعناد، وفي الشريعة التي لا يروغ منها متعسف بحيلة. ولن يضل الناس في حق عرفوا حده، فان ما وراء الحد هو التعدي؛ ولن يخطّوا في حكم أصابوا وجهه، فإن ما عدا الوجه هو الخلاف والمراء.
وقد طبع الناس في باب القدوة على غريزة لا تتحول، فمن انفرد بالكمال كان هو القدوة، ومن غلب كان هو السمت، ولابد لهم ممن يقتاسون به ويتوازنون فيه حتى يستقيموا على مراشدهم ومصالحهم، فالإمام كأنه ميزان من عقل، فهو يتسلط في الحكم على الناقص والوافي من كل ما هو بسبيله، ثم لا خلاف عليه إذ كانت فيه أوزان القوى وزناً بعد وزن، وكانت فيه منازل أحوالها منزلة بعد منزلة.
هو إنسان تتخير بعض المعاني السامية لتظهر فيه بأسلوب عملي، فيكون في قومه ضرباً من التربية والتعليم بقاعدة منتزعة من مثالها مشروحة بهذا المثال نفسه، فإليه يرد الأمور في ذلك وبتلوه يتلى وعلى سبيله ينهج، فما من شئ يتصل بالفن الذي هو إمام فيه، إلا كان فيه شئ منه؛ وهو في ذلك متصل بقوى النفوس كأنه هداية فيها لأنه بفنه حكم عليها. فيكون قوة وتنبيهاً وتسهيلا وإيضاحاً، وإبلاغاً وهداية، ويكون رجلا وإنه لمعان كثيرة، ويكون في نفسه وإنه لفي الأنفس كلها. ويعطى من إجلال الناس ما يكون به أسمه كأنه خلقَ من الحب طريقهُ على العقل لا على القلب.
ولعل ذلك من حكمة إقامة الخليفة في الإسلام ووجوب ذلك على المسلمين، فلا بد على هذه