للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فيوشك أن يخرج الأثر المنشأ من عالم الأدب إلى حيز العلم، فيندرج تحت عنوان الاقتصاد أو التربية أو السياسة أو غير ذلك، أما الأديب الصميم فلا غنى له عن الجمال والصبغة الفنية، ووظيفته الكبرى في بيان الشعور وما اتصل به من أفكار

وتدبر أحوال المجتمع ونقد أخلاق بنيه لاشك مجال للأدب رحيب، ومسرح لفن الأديب خصيب، ومهما تغيرت أحوال المجتمعات على تتابع الأجيال، فإن طباع الإنسان المركبة فيه واحدة لا تتغير، ومظاهره من كرم ولؤم ونبل وإدعاء وغرور ونفاق، وولع بالمظاهر وتفاخر بالنعمة المحدثة، كل هاتيك أمور تتكرر ولا تتبدل، وتبدو في شتى الأشكال والأزياء وهي في الصميم سواء، ومن ثم نرى صوراً لها في شتى آداب الأمم على تباعد عصورها ومنازلها: فالمسيو جوردان المحدث النعمة الذي رسمه موليير متعثرا في أذيال ثروته مكاثرا بها في سذاجة، هو أحد (النوابين) المحدثي النعمة الذين أولع بتصويرهم كتاب الدرامة الإنجليز في أواخر القرن الثامن عشر، وهو هو ذلك المحدث النعمة الذي صدع رأس عيسى بن هشام في المقامة المضيرية بتعداد محتويات بيته وأثمانها ومزاياها؛ فالأديب الحاذق يفطن إلى الخطوط الرئيسية في الصورة الشخصية التي يبغي رسمها، فإذا ما صورها لم تكن صورة فرد من الأفراد، بل جاءت صورة ضرب من الناس في شتى الأمم والعصور

وقد ترك المجتمع آثاره الواضحة على تعاقب العصور في الأدبين العربي والإنجليزي، واختلط أدباهما بتأريخهما اختلاطاً شديدا، ولا غرو فالأدب من البين الفنون أشدها بالحياة اليومية والأحوال الاجتماعية والأحداث السياسية ارتباطا، وتبينت في ذينك الأدبين سمات الأجيال المتتابعة، وكثرت فيهما النظرات الاجتماعية كما كثرت التأملات الفردية، وقام فيهما من الآثار ما قوامه تدبر أحوال المجتمع ونقد أخلاق أبنائه، بجانب الآثار التي قوامها نظر الأديب في ذات نفسه وبوحه بأشجانه وإطرابه؛ بيد أن الأدب الإنجليزي كان أبعد في تناول الشؤون الاجتماعية مدى، وكان أدبائه أكثر شغلاً بالدعوة إلى الإصلاح، وإن لم يهملوا التعبير عن خوالجهم الفردية، ولم يقصروا في تصوير شخصياتهم المستقلة

ترى طابع العصر الأليزابيثي في أدب شكسبير ومعاصريه: فهو عهد فتوح ومغامرات، فامتلأت رواياته التمثيلية بذكر الشجعان والأسفار والحماسة الوطنية وتاريخ إنجلترا، وهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>