عصر لم تبدد الثقافة بعد أوهام سواد أبنائه، فمسرحياته تعج بذكر الشياطين والسحرة والأشباح والعرافة والتطير، ولم تكن نفوس أبناء ذلك العصر قد رقت ولا أذواقهم قد صقلت، ولذلك تكثر في رواياته المذابح والمبارزات وسفك الدماء؛ وكان عهد تعصب ديني، ومن ثم يسخر أدبائه من أبناء النحل الأخرى كاليهود، ولم يكن الحكم الدستوري قد توطد بعد، وما تزال للملك اليد الطولى والكلمة العليا في السياسة الداخلية والخارجية، ومن ثم ينسج شكسبير لنفسه في رواية هنري الرابع وغيرها نظرية سياسية قوامها الملكية المستبدة العادلة، ويعدها أساس نظام الكون
ونرى أثر عهد الإصلاح الديني في إنجلترا في أدب عهد المطهرين: إذ خفت صوت الأدب وغيره من الفنون التي لا يطمئن إليها عادة المتشددون من المتدينين، وأتصف الأديبان الكبيران اللذان ظهرا إذ ذاك - ملتون وبنيان - بالاهتمام بالشؤون الدينية والتأثر بالكتاب المقدس موضوعاً وأسلوباً؛ ونرى أثر عصر المجون الذي تلا ذلك في مسرحياته المملوءة بالسقاط؛ حتى إذا ما أشرق العصر التالي وقد اطمأنت النظم الدستورية وانتشرت الثقافة والثروة في جمهور الشعب أوغل الأدب في تناول الشؤون الاجتماعية، ولم يقنع بالأشكال الموجودة أصلا، فاتخذ لنفسه شكلاً أدبياً هو أليق لتصوير المجتمع ونقده وهو القصة؛ وفي قصة القرن الثامن عشر وفي شعره يتجلى ما كان يسود مجتمع ذلك العهد من تأنق وتصنع، وحرص على تعلم اللغات وممارسة بعض الفنون، ويجري ذكر خروج الأرستقراط للصيد بخيلهم وكلابهم، ويبدو من ذلك ما كان يتخلل المجتمع من نفاق ورذيلة وإدمان للشراب وإفراط في الطعام وما كان يعصف بالطرق العامة من عبث الأشقياء
اتخذت القصة وسيلة لوصف المجتمع، وقد أدت غرضها ذلك خير أداء، وكيف لا تؤديه والقصة في يد الأديب الحصيف ليست إلا قطعة من المجتمع الحي المتحرك منقولة على القرطاس؟ قطعة من المجتمع طوع بنان الأديب يؤلفها كيف شاء ويرسم بها من الأشخاص من شاء ويبرز بها من الآراء ما يختار، فلا غرو ازدادت القصة الاجتماعية رقياً وذيوعاً في القرن التالي، ازدياد المبادئ الديمقراطية انتشاراً أعقب الثورة الفرنسية، وانتشار التعليم العام، وتعقبه مشاكل المجتمع بظهور الصناعة الكبيرة، وانتشار المذاهب الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة كالاشتراكية والشيوعية، ونزاع الرأسماليين والعمال، ونهضة المرأة