ورقي علوم الاجتماع والنفس والتربية، وخاض الأدباء غمار كل هاتيك الحركات والتيارات المتضاربة، ونقلوا في غضون قصصهم صور هاتيك المعارك الفكرية والأحوال المادية، وفي قصص مريديث ودكنز وبنلر وهكسلي وبنيت من آثار كل ذلك ما لا يستقصي، ومن تلك القصص تستخرج صور لتلك الحركات أوضح مما قد تعرضه التواريخ المنظمة
وطمت هذه النزعة الاجتماعية الإصلاحية وهذه الصبغة العلمية التحليلية، في القصة المعاصرة، فأقطاب القصة والدراما المعاصرون أمثال شو وهاردي وولنر وجالزورذي، كلهم متأثرون بالكشوف العلمية الحديثة والنظريات الاقتصادية الجديدة، والأحوال الاجتماعية الراهنة، ولكل منهم مبادئه ودعواته حتى أصبح الأدباء يختلفون ويعتركون، لا على المذاهب الأدبية والآراء النقدية الفنية كما كان الشأن فيما مضى، بل على المذاهب الفكرية والآراء السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى هذه المبادئ لا على مبادئ الفن والأدب ينقسمون شيعاً ومدارس، ويسرف بعض الكتاب كبرتراندرسل في التحمس للدعوة الاجتماعية واطراح الأسلوب الأدبي، حتى تخرج بعض مؤلفاتهم من عداد كتب الأدب، ولا تعد إلا في كتب العلم إن كانت لها قيمة هناك!
كان الشعر العربي في الجاهلية حقاً ديوان العرب كما دعوه: كانوا يقولونه في شرح أحوالهم الفردية، من حب وذكر للديار ومناجاة للمطايا، وفي شرح أمورهم الاجتماعية، من التمدح بالقرى والتفاخر بالبلاء في الحرب والتوعد بالثأر وإباء الضيم، يرسلون كل ذلك على السجية فيجيء رائعاً بصدقه معجبا برجولته، ويصوغونه فيما اتفق من لفظ وعر وأسلوب شديد، فظل شعر ذلك العصر ممثلاً صادقاً له رغم عبث العابثين به، بل لعله كان أهم مصادر تأريخ ذلك العهد حين دون تأريخه، فقد ظل المؤرخون يذكرون ما يذكرون من حوادث وحقائق ويتبعونها أبيات الشعر مستشهدين
وظهر أثر عهد الاستقرار والثروة والنجاح في ظل الأمويين في غزليات ابن أبي ربيعة وجميل وأضرابهما، ومفاخرات جرير والفرزدق وأشياعهما، ثم ظهر إثر الإفراط في تلك الثروة والفراغ والإسراف في اجتناء لذات الحضارة، في شعر بشار وأبي نواس وأمثالهما، ثم كان العهد التالي بدء التدهور والانحطاط المادي والخلقي: فهوت مكانة المرأة إلى