للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بمن يطلب الصواب فيخطئه طريقه، فتأخذه بالتي هي أحسن، حتى يعرف خطأه واضحا فيرجع عنه، ويشكر للذي دله عليه.

وهكذا كان حال سلفنا الصالح رضوان الله عليهم. كان باب الاجتهاد بينهم مفتوحاً على مصراعيه لا يحمل أحد منهم بسببه ضغينة على أخيه، ولا يحاول قهره على موافقته في رأي خالفه فيه، إلى أن نبتت فتنة الخوارج المعروفة، ولعبت السياسة بعقول الناس فيها، فكانوا أول من سن في الإسلام أخذ المخالف في الرأي بوسائل القهر؛ ثم تتابعت الحوادث وأتى عصر بني العباس فرأوا من الأئمة المجتهدين في عصرهم انكماشاً عن سلطانهم فأخذوا ذلك عليهم، وجعلوا يصطنعون الوسائل لإيذائهم، فآذوا في ذلك أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة الجماعة، وصاروا ينصرون عليهم خصومهم من المعتزلة، واستباحوا في ذلك ما استباحوا من الحجر على حرية الرأي، وتعذيب المخالف لهم فيه بالسجن والضرب والقتل، وبلغ ذلك شدته في مسألة خلق القرآن المعروفة.

وكان التعليم من أول الإسلام يتخذ المساجد دوراً له، فتتولاه الرعية بعيدة عن الحكومة، كما تتولاه الأمم الآن في الشعوب الراقية في أوربا وأمريكا. وينشأ التعليم في كنفها حراً لا يتأثر بهوى حاكم، وينشأ رجاله أحراراً لا تلين قناتهم لظالم وقد أخذ حكام المسلمين في آخر الدولة العباسية يدخلون في أمور التعليم ليكون لهم نفوذ عليه، وسلطان على رجاله، فأنشئوا له المدارس الخاصة به، وحبسوا عليها من الأوقاف الكثيرة ما رغب العلماء والمتعلمين فيها، وجعلهم يتنافسون على أبواب الملوك والحكام من أجلها، فضاعت كرامة العلم والعلماء، وخضع أهله لمن بيدهم أمر تلك المدارس والأوقاف.

ومن أقدم ما بني في الإسلام من المدارس المدرسة البيهقية المنسوبة إلى البيهقي المتوفى سنة ٤٥٠هـ، والمدرسة السعيدية بنيسابور بناها الأمير نصر بن سبكتكين أخو السلطان محمود حين كان والياً بها، والمدرسة النظامية التي بناها الوزير نظام الملك وزير السلطان ألب أرسلان وابنه ملكشاه ببغداد سنة ٤٥٩هـ واحتفل بافتتاحها يوم السبت عاشر ذي القعدة من هذه السنة، وجمع الناس على طبقاتهم ليحضروا دروس الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، فجاء الشيخ ليحضر فلقيه صبي في الطريق، فقال يا شيخ كيف تدرس في مكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>