للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مغصوب؟ فرجع الشيخ واختفى. فلما يئسوا منه ذكر الدرس بها أبو نصر الصباغ.

ولما ملك السلطان صلاح الدين بن أيوب مصر لم يكن بها شيء من المدارس، فبنى بها المدرسة الناصرية لتعليم المذهب الشافعي سنة ٥٦٦هـ ثم بنى المدرسة الصلاحية بالقرافة الصغرى سنة ٥٧٢هـ مجاورة للإمام الشافعي رضي الله عنه، وجعل لناظرها أربعين ديناراً في كل شهر؛ ورتب له في كل يوم ستين رطلاً من الخبر، وراويتين من ماء النيل؛ ثم بنى أخرى مجاورة للمشهد الحسيني، وجعل دار عباس الوزير العبيدي مدرسة للحنفية.

وكان من دواعي إنشاء هذه المدارس تأييد المذاهب التي كان السلاطين يشتدون في نصرتها، كما فعل صلاح الدين حين استولى على مصر، فقد حارب فيها مذهب الشيعة الفاطميين الذين حكموا مصر قبله، وكانت دروس هذا المذهب تلقى في الأزهر وغيره من مساجدهم، فأبطل هذه الدروس، وأحيا مذهبي الشافعي ومالك وبنى لهما كثيراً من المدارس.

وفي هذه المدارس أقفل باب الاجتهاد؛ وقبرت المذاهب الفقهية عدا هذه المذاهب الأربعة الباقية؛ وقد كانت هناك مذاهب كثيرة لأهل السنة والجماعة بقى بعضها إلى القرنين السابع والثامن الهجريين؛ ومن هذه المذاهب مذهب البصري والثوري ولم يطل العمل بهما لقلة اتباعهما؛ ومنها مذهب الأوزاعي، وقد بطل العمل به بعد القرن الثاني للهجرة؛ ومنها مذهب أبي ثور، وقد بطل العمل به بعد القرن الثالث؛ ومنها مذهب ابن جرير الطبري، وقد بطل العمل به بعد القرن الرابع؛ ومنها مذهب الظاهري، وقد طالت مدته وزاحم المذاهب الأربعة حتى جعله المقدسي في أحسن التقاسيم رابع المذاهب في زمنه (القرن الرابع) بدل الحنبلي، وذكر الحنبلية في أصحاب الحديث، وعده ابن فرحون في الديباج الخامس من المذاهب المعمول بها في زمنه (القرن الثامن)؛ ثم درس بعد ذلك ولم يبق لأهل السنة والجماعة إلا المذاهب الأربعة. وذكر ابن خلدون أن الظاهري درس بدروس أئمته، وإنكار الجمهور على منتحله، ولم يبق إلا في الكتب، وربما يعكف متكلفو انتحاله عليها لأخذ فقههم منها؛ فلا يحلون بطائل، ويصيرون إلى إنكار الجمهور عليهم.

وهكذا أخذت المذاهب الأربعة تتغلب مع الزمن على غيرها من هذه المذاهب حتى تم لها التغلب عليها في القرن السابع الهجري. وأخذ فقهاء هذه المدارس تبعاً لهوى أصحابها من الأمراء يتعصبون لها، ويفتون بوجوب اتباعها. قال المقريزي في خططه: (فلما كانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>