يا هند فاستمعي لي إن سيرتنا ... أن نعبد الله لم نشرك به أحدا
نرجي الأمور إذا كانت مشبهة ... ونصدق القول فيمن جار أو عندا
المسلمون على الإسلام كلهم ... والمشركون استبوا في دينهم قدرا
ولا أرى أن ذنباً بالغ أحداً ... في الناس شركاً إذا ما وحدوا الصمدا
إلى أن قال:
كل الخوارج مخطى في مقالته ... ولو تعبد فيما قال واجتهدا
أما عليُّ وعثمان فانهما ... عبدان لم يشركا بالله مذ عبدا
الله اعلم ما قد يحضران به ... وكل عبد سيلقي الله منفردا
هذه جملة المعاريض التي عرضت بها المعاني السياسية، ولعلك تلاحظ من هذه الأمثلة أنها في الغالب مهلهلة النسج، نابية القافية، بادية التكلف، تشبه من بعض الوجوه نظم المتون. وعلة ذلك أن اتصالها بالوجدان ضعيف، وأن أكثرها إنما يصدر عن طبع مكره، أو شعور ممالق، أو قريحة كابية؛ والفرق بين شعر الأخطل والفرزدق وجرير، وبين شعر هؤلاء الذين ذكرنا كالفرق بين من يعبر عن شعوره وحسه، ويدافع عن قبيله ونفسه، وبين من يتصل لسانه بقلب غير قلبه، ويدفعه طمعه إلى ممالأة حزب غير حزبه
على أن من شعراء الأحزاب من قالوا الشعر عن عقائد دينية وعواطف نفسية، ونوازع عصبية، فكان لشعرهم جمال الإخلاص وروعة اليقين، وقوة الحقيقة، أولئك هم شعراء الشيعة والخوارج، فحق علينا ونحن في مقام البحث في شعر العراق أن نديم النظر ساعة في أشعارهم، لنستشف من خلالها صور مذاهبهم وأفكارهم