وكان من خبره انه حدث بينه وبين أستاذه بشار فتور وانقطاع بسبب انه اخذ معنى لبيت من شعر بشار وصاغه في بيت له قضى به على بيت بشار وسارت بحديثة الركبان، واصل البيت من قصيدة لبشار:
لا خير في العيش أن دُمنا كذا أبدًا ... لا نلتقي وسبيل الملتقى نهج
قالوا حرام تلاقينا فقلت لهم ... ما في التلاقي ولا في غيره حرج
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
فعمد سلم الخاسر إلى البيت الثالث وصاغه هكذا:
من راقب الناس مات غماً ... وفاز باللذة الجسور
فبينما بشار بن برد في منزله إذ دخل عليه أبو معاذ النميري فقال له: لقد قال سلم الخاسر بيتاً من الشعر هو أحسن وأخف على الألسن من بيتك، فقال له بشار وما هو؟ أنشدنيه. فأنشده قول سلم:
من راقب الناس مات غماً ... وفاز باللذة الجسور
فقال بشار: سار والله بقيت سلم وخمل بيتنا. وكان كذلك إذ لهج الناس بيت سلم وصار مثلاً من الأمثال السائرة؛ أما بيت بشار فلم يتمثل به احد؛ فغضب بشار من سلم وحلف ألا يدخل عنده ولا يفيده ولا ينفعه ما دام حياً. فلما علم سلم بذلك وطال عليه جفاء أستاذه شق عليه ذلك فاستشفع إليه بكل صديق له، وكل من يثقل عليه رده، فكلموه فيه؛ فبعد اللتيا والتي قال بشار: ادخلوه إلي، فاستدناه فلما كلمه قال: إيه يا سلم! من الذي يقول: من راقب الناس لم يظفر بحاجته. . . الخ. قال سلم: أنت يا أبا معاذ، جعلني الله فداك. فقال بشار: فمن الذي يقول:
من راقب الناس مات غماُ ... وفاز باللذة الجسور
قال سلم تلميذك وخريجك وعبدك يا أبا معاذ
فاجتذبه بشار إليه وقنعه بمخصرة كانت بيده ثلاثاً وقال له:
يا فاسق!؟ أتجيء إلى معنى قد سهرت له عيني، وتعب فيه فكري، وسبقت الناس اليه، فتسرقه ثم تختصره لفظاً تقربه لتزري علي وتذهب ببيتي؟ فحلف له سلم ألا يعود لشيء مما يكرهه وينكره منه، فرق له ورضى عنه