ومن طريف ما حدث لسلم الخاسر أن أبا العتاهية حقد على سلم وحسده على ما يناله من الخطوة والجوائز عند الملوك والأمراء فأرسل إليه ببيتين من الشعر يرميه فيهما بالحرص وهما:
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذل الحرص أعناق الرجال
هب الدنيا تصير إليك عفواً ... أليس مصير ذاك إلى الزوال
فلما قراهما سلم غضب من أبى العتاهية وقال: ويلي على الجرار ابن الفاعلة الزنديق! زعم أنى حريص وقد كنز البِدر وهو يطلب المزيد، وأنا في ثربي هذين لا املك غيرهما، ولما سرى عنه كتب إليه هذه الأبيات:
ما أقبح التزهيد من واعظ ... يزِّهد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقاً ... أضحى وأمسى بيته المسجد
ورفض الدنيا ولم يلقها ... ولم يكن يسعى ويسترفد
فخاف أن تنفد أرزاقه ... والرزق عند الله لا ينفد
الرزق مقسوم على من ترى ... يناله الأبيض والأسود
كل يوفي رزقه كاملا ... من كف عن جهد ومن يجهد
هذا فصل في الكلام قد ساق إليه البيان عن بعض أخبار سلم الخاسر تفكهه للقراء، ولنتخذ دليلاً ثانياً وحجة ناصعة في الآيبات أن الجزء الحادي والعشرين من كتاب الأغاني هو من الأغاني، وسبق أن قدمنا في حجتنا بقصة إسحاق الموصلي وغلامه زياد، وإنها لم تذكر ألا في الجزء الحادي والعشرين منه واقرها ابن منظور في مختصر (الأخبار والتهاني)، فكذا هنا قصة مسلم الخاسر مع أهله وجيرانه، وسبب تسميته لم تذكر إلا في الجزء الحادي والعشرين من الكتاب، وهي بطبيعة الحال جاءت في مختصر الأغاني (حرف السين)، ولولا ذهاب المخطوطات إلى المخابئ لأتينا بالنص كما هو مدون في محله، والله يهدي السبيل