الحكم. والهادي في عهده القصير منع أمه الخيزران من التدخل في أمور السلطان لقضاء حوائج الناس.
والنظم الإسلامية تسمو بها مثلها العليا وإخلاصها الأمين فتحارب الخيانة والرشوة بين الموظفين في جميع صورها من غير رحمة. ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلول - وهو اصطلاحا الخيانة في الغنيمة - فعظمه وعظم أمره. ولقد أبى على أحد عماله بأسلوب ينضح بالغضب والجد أن يحتجز من الصدقات التي جمعها شيئاً بدعوى أنه أهدي إليه.
وتسد الروح الإسلامية منافذ التحايل، فالهدايا للموظفين هي الرشا، والهدية إذا دخلت من الباب خرجت الأمانة من الطاقة. ولقد حفل تاريخ عمر بن الخطاب بالثورة على بعض عماله كلما رأى تغير حالهم في العمالة عما كانت قبلها، ولم يطامن من ثوراته أن من هؤلاء العمال أمثال أبي هريرة وعمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري. والموظفون أنفسهم يستبشعون عدم الأمانة وينفرون منه. كتب عمرو إلى عمر محتجاً: معاذ الله من تلك الطعم، ومن شر الشيم والاجتراء على كل مأثم، فأقبض عملك فإن الله قد نزهني عن تلك الطعم الدنية والرغبة فيها.
وصحائف الموظفين المسلمين حافلة بأمثال كثيرة للموظفين الذين لم تشره نفوسهم إلى المال وهو تحت أيديهم وخرجوا من أعمالهم بالصفة التي دخلوها بها. ومن القواعد الكريمة التي استقرت في النظم الإسلامية أن جور الراعي هلاك للرعية، وأن استعانته بغير أهل الثقة والخير هلاك للعامة.
ومن جميل ما وقع لحبيب بن مسلمة أحد قواد المسلمين أنه سار يريد بلداً في أرمينية فجاءه بالطريق رسول بطريقها وأهلها يسأله الصلح وأن يكتب لهم، فكتب حبيب إليهم كتاباً ضمنه قوله: وقد قبلت هديتكم وحسبتها من جزيتكم.
أما بعد: فالموظفون كما تريدهم النظم الإسلامية قلوب واعية وضمائر لا يأخذها الإعفاء. وما أحرانا وتلك روعة نظمناً الإسلامية السالفة، أن نتفقدها ونتعهدها ونتزود منها لنظمنا الخالفة.