للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ارتكاب أعمال مضادة للفضيلة، وهو الندم؟ يفسر لاروشفوكو الندم الخارجي، أي الاعتراف بالزلل بقوله: (إننا نعترف بخطايانا لنصلح الفكرة السيئة التي علقت بأذهان الغير عنا) (موعظة رقم ١٨٤). ويفسر الندم الباطني بقوله: ندمنا ليس أسفاً للشر الذي فعلنا بقدر ما هو خوف شر يصيبنا من جراء ما فعلنا) (موعظة رقم ١٨٠).

وبما أن المنفعة هي غرض الإنسان الوحيد، إذن يكون الخير الوحيد هو الخير المحسوس في إغفاله. وبما ان الموت هو نهاية كل شر، إذن الموت اكبر شر: (الشمس والموت لا يستطيع الإنسان ان يحدق فيهما) (موعظة رقم ٢٦).

وقد ظن بعض الناس أن لاروشفوكو يستعمل هذه الكلمات: في الاغلب، عادة، تقريباً، كثرة الناس، لياقة ومجاملة حتى يعتقد كل قارئ انه من المستثنين، ولكنه يستعملها على الأرجح لأنه يؤمن بوجود الفضيلة الخالصة، ولكنها نادرة. والدليل على ذلك انه لا يذكرها في بعض مواعظه. ولنضرب مثلاً: (الصدق إخلاص القلب. . . موعظة رقم ٦٢) فهو لا ينكر وجود الصدق، ولكنه يؤمن بندرته. وهو يتعدى بطريقته إلى كشف اللثام عن الفضائل الكاذبة التي يدعيها اكثر الناس.

ومواعظ لاروشفوكو على قسوتها تنفع الإنسان لأنها تجعله يتأمل نفسه ويراقب فضائله ويطهرها من الرذائل التي تختلط بها.

ولهذه المواعظ اثر كبير في تفكير فلاسفة أوربا النابهين أمثال كانت، وشوبنهور، ونيتشه، وبنتام، وستيوارت مل، وبييربايل وهلفسيوس وغيرهم. وسنتحدث عن هذا الأثر في فرصة أخرى أن شاء الله.

تم البحث

حسن صادق

<<  <  ج:
ص:  >  >>