فاس مدفوعاً بعامل آخر هو ما اعتدنا ملاحظته عند قيام أي خلافة أو دولة إسلامية جديدة حتى يكون التجديد عاماً شاملاً. واختيار العواصم الجديدة ليس من الأمور السهلة؛ فهو يحتاج إلى دراسة وخبرة بالأمكنة المختارة حتى تؤدي العاصمة الغرض من إنشائها.
وقع بصره على جبل زالغ فأعجبه ارتفاعه وطيب تربته واعتدال هوائه فأمر ببناء العاصمة في سفحه. وبدأ العمل بسورها، ولكن ما لبث أن انحدر سيل من أعلى الجبل فهدم ما كان قد بناه من السور وحمل معه ما كان حوله من خيام العرب، فاضطر أن يرحل عن هذا المكان فانتقل إلى وادي سبوا فأعجبه المكان ولكنه خاف كثرة مياهه حتى لا تتكرر الحوادث. وأخيراً ترك أمر اختيار مكان عاصمته الجديدة لوزيره عمير بن مصعب الذي وفق كل التوفيق.
ذلك أن عميرا قد استمر يختبر البقاع حتى انتهى به المطاف إلى العيون التي ينبع منها نهر فاس، فلفت نظره كثرة عددها وقد سالت مياهها فسار مع مسيل الوادي حتى وصل إلى موضع مدينة فاس فأعجبه المكان إذ هو في وسط منبسط يفصل تلال الساحل عن جبال الأطلس الكبرى، وعلى الطريق الرئيسي الذي يعبر هضاب الأطلس، وحيث تلتقي أهم طرق مراكش البرية، وحيث يبدأ المخرج النهري لهذه الناحية وأعني به نهر سبوا الذي يصب في المحيط الأطلس والذي يعتبر أكبر أنهار مراكش. نظر عمير إلى ما بين الجبلين فإذا غيضة ملتفة الأشجار بها خيام من شعر لقبائل من زناته يعرفون بزواغة وبني يزغة فرجع إلى مولاه وأخبره بنتيجة بحثه فتفاءل إدريس باسم مالك هذه الجهة عندما عرف أنها ملك لقوم من زواغة يعرفون ببني الخير فاشتراها منهم.