للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في نفس الرشيد فعول على تنفيذها. وإذا كانت الروايات قد اختلفت في طريقة دس السم لإدريس، وهل أرسل إليه الرشيد مباشرة شخصاً لتنفيذ ذلك أو كلف إبراهيم بن الأغلب لإرسال من يقوم بهذه المهمة فإنها قد أجمعت كلها على وفاة إدريس مسموماً.

وعلى أي حال لم ينقرض حكم الأدارسة بموت إدريس الأول على رغم أنه لم يترك من يخلفه، وربما كان ذلك راجعاً لإخلاص البربر وحسن تدبير راشد السابق الذكر الذي استطاع أن يقنعهم بضرورة الانتظار حتى تضع كنزة جارية إدريس البربرية طفلها فإن كان ذكراً بايعوه، وإن كان أنثى أجمعوا رأيهم على من ينتخبوه. وتحقق الأمر ووضعت كنزة طفلاً هو إدريس الثاني الذي قضى عصر الوصاية كله في فتن لما كان يظهره إبراهيم بن الأغلب من تحرش بأتباعه. ولما كبر ذاع اسمه وأتته الوفود من سائر البلاد. وكان ممن وفد عليه خمسمائة فارس من أفريقية والأندلس من القيسية ولأزد والخزرج ومدلج وبني يحصب. فأكرم الإمام وفادتهم وأجزل صلاتهم وقربهم ورفعهم وجعلهم بطانته دون البربر. وربما كان هذا راجعاً إلى أنه كان يرى نفسه وحيداً بين البربر. ولكن الأمر ما لبث أن تطور إلى تفضيلهم علانية على البربر الذين انقلب عليهم فاستوزر رجلاً من العرب هو عمير بن مصعب الأزدي بدل إسحاق بن محمد الذي أنزل به غضبه فقتله رغم ما أداه لوالده من جلائل الأعمال بحجة موالاته لإبراهيم ابن الأغلب. وربما كان إدريس في عمله هذا غير محق؛ فهو قد اعتمد على البربر وتأييدهم ولولاهم ما وصل أبوه ولا هو من بعده إلى هذا المركز. ثم هو أيضاً يمت بصلة القربى إلى القبائل البربرية من جهة أمه، فتمرده عليه مظهر إن دل على شيء فهو يدل على حب التحرر من القيود والشعور بالخوف من البربر؛ وليس هذا بغريب في تاريخ قيام البيوت الإسلامية؛ فالخلافة العباسية في أول قيامها اعتمدت على العنصر الفارسي حتى إذا ما وثقت من نجاحها انقلبت عليه. وكذلك الحال في الخلافة الفاطمية؛ فالعوامل السياسية والأهواء الشخصية تتحكم كثيراً في مجرى الحوادث التاريخية.

ولما رأى إدريس الثاني أن الأمر قد استقام له، وأن مدينة وليلى لم تعد صالحة لأن تكون عاصمة لدولته عزم على الانتقال منها إلى مدينة يقوم بتخطيطها فيسكنها هو وخاصته وجنوده ووجوه أهل بيته. وربما كان إدريس في بنائه لهذه المدينة الجديدة وأعنى بها مدينة

<<  <  ج:
ص:  >  >>