حتى انتهى به المطاف في مدينة وليلى حيث أكرمه أميرها إسحاق بن محمد زعيم قبيلة أوربة البربرية وأكثرها عدداً.
ولما علم إسحاق بحقيقة أمره وتأكد من صحة نسبه تنازل له عن إمارته وطلب من قبيلته وبقية القبائل الأخرى مبايعته فأجيب إلى طلبه.
وهنا يحق لنا أن نتساءل هل فعل إسحاق ذلك لاعتقاده أحقية إدريس في الإمارة دونه فأقدم على هذه التضحية في سبيل مبدئه، أم فعل ذلك لأغراض سياسية؟ ربما كان السبب الثاني أقوى للأخذ به؛ ذلك أن مظهر التضحية في سبيل العقيدة يتنافى مع ما كان عليه هذا الأمير من اعتناق لمذهب الخوارج في أول الأمر ثم تحوله إلى المذهب الشيعي. والواقع أن هذا الأمير أراد بسلوكه هذا أن يكسب لقومه أكثر مما خسر؛ فهو يأمل أن تقام هناك دولة في شمال أفريقية يكون له فيها ولأتباعه من البربر نفوذ كبير بعد أم يئسوا من إنصاف العرب لهم. فكأنهم كانوا يرمون إلى إنشاء دولة يكونون فيها العماد الرئيسي كما كان للفرس النفوذ الأكبر في العصر الأول للدولة العباسية. ويمكننا أيضاً تعليل هذا النجاح الذي صادفه إدريس في أول أمره بأنه كان قد اصطحب معه مولاه راشد بن مرشد الزبيدي وهو على ما قيل بربري الأصل أُسر أبوه في إحدى غزوات موسى بن نصير، فلما رجع مع إدريس إلى موطنه الأصلي كان خير مساعد له على بسط نفوذه هناك. هذا إلى ما كان عليه إدريس من ذكاء خارق وحسن سياسة؛ يتجلى لنا ذلك عندما أراد أن يشغل أتباعه حتى يضمن ولاءهم له، فخرج غازياً ناشراً الدين الإسلامي في البقاع المجاورة التي لم ينتشر فيها بعد.
هكذا وضع إدريس النواة الأولى لدولة الأدارسة في مدينة وليلى، واستطاع أن يكتسب صداقة الحكم بن هشام أمير الأندلس الذي أرسل إليه وفداً يهنئه بالأمارة الجديدة ويطلب إليه التحالف على من يناوئهما؛ فقابل الوفد بالحفاوة والإجلال. ولا شك أن الأغراض السياسية هي التي وحدت وقاربت بين نظريهما.
خاف الرشيد استفحال خطر إدريس بالمغرب الأقصى فسعى للتخلص منه؛ ولكن كيف السبيل إلى ذلك وهو على بعد لا يساعده على إرسال الجيوش للقضاء عليه؟ استشار في ذلك يحيى بن خالد البرمكي فأشار عليه بإرسال من يستطيع قتله فلقيت هذه الفكرة قبولاً