يبتغون إليه الوسيلة ويطرحون أجسامهم في مطارح الطبيعة أمام نظره العالي لعله يرحم ضعفهم وإخلاصهم ويمسح بيده الكريمة على قلوبهم.
يتعرضون لنفحاته من ظهيرة يوم عرفه، ويبيتون له بمزدلفة وينحرون ويتزكون له في منى. ويعزمون على ترك الشر في (شارع الشياطين!) يرجمونهم في فكاهة وجد وابتهاج. . . ثم يقبلون بعد ذلك إلى حياة المدن في أم القرى ويشهدون منافع لهم من التعارف والائتمار والاتجار. . .
ثم يرمون بأبصارهم إلى الشمال نحو مرقد الجسد المطهر الذي مدَّ ظلال رحمة الله على هذه الأمة المحرومة المعزولة ثم مدها على العالم وأوسع له في آفاق الروح. . .
وعند قدمي محمد صلى الله عليه وسلم اتخذت مجلسي أول قدومي عليه، وقد أغمضت عيني وفتحت خيالي يستحضر الصور التي شهدها التاريخ ووعتها ذاكرتي من حياته الشريفة وتعاليمه الهادية ووحيه العالي. وأحسست حين جلست أن العالم كله يجلس معي تحت قدمي هذه القمة البشرية التي لم تطاولها سماء أخرى. . . وأنني تحت ظلال أنضج ثمرة أدركت أسرار النوع البشري وصفوة معانيه ونهاية استعداده وحدود قواه. . . أخرجها رب الإنسانية ومكرمها من الأمة الوسط التي يلتقي فيها الشرق والغرب، وتتصل بزنوج الجنوب وبيض الشمال وصفر الشرق وحمر الغرب وتأخذ منهم جميعاً أحسن ما فيهم جميعاً. . .
وهذا هو قانون الله في جميع الأشياء: يجمع أسرار كلُّ شيء في مركزه و (عقدة) ثمرته. . .
فلتفهم هذه العربية الحديثة في نهضتها الجديدة لأداء رسالتها الثانية. أنا مؤمن عن طريق عقلي أكثر من إيماني عن طريق قلبي. ومع ذلك حين وجدتني أقترب من قبر (محمد) القطب الذي تدور بدورته روحي وتهتدي بإشعاعه نفسي أحسست قلبي يهتز ويختلج اختلاج الباكي ووجداني يطغي على عقلي فأحبذ تقبيل المقصورة الشريفة واستلامها وأخفف من منع الحراس للناس وأفلسف لهم أن الحب يدفع إلى أكثر من ذلك. . . ثم يستقر الأمر فأعود إلى القبر في هدوء الإجلال وسكينة الإعظام لهذا المقام أن يدور عنده همس لغط، أو يدنو منه مقترب بالجرأة والاقتحام كما يفعل العوام وأشباه العوام الذين لا