وشهدنا أول احتفال بالهجرة في دار الهجرة على الطريقة العصرية في التكية المصرية، وخطب فيه عزام (بك) خطبة من خطبه التي هي مزيج من الروح والسياسة والتجربة والعلم والتاريخ فكان صوته أول نغمة جديدة من بيان أهل هذا الزمان ترتفع في جو المدينة التي ولد فيها فجر المؤاخاة الكاملة بين الأوس والخزرج من الأنصار، وبين المهاجرين والأنصار، وبين المسلمين وأهل الكتاب والمسالمين من الجاهليين، في تلك المعاهدة الأولى التي لا يمكن أن يبني سلم عالي دائم إلا على مثلها وروحها الذي يؤمن بالإنسانية الواحدة وبالحرية والمساواة والعدالة في الوطن الواحد وفي الأوطان المختلفة ويأبى إلا أن يكون الدين لله.
ولِيَاذُ الزنوج والأجناس الملونة واعتزازهم بهذه المشاهد المقدسة التي تتجلى فيها المساواة المطلقة شيء عظيم! وخاصة في هذا العصر الذي جار فيه (الرجل الأبيض) واغتر بلونه، وبني على الفروق السطحية فلسفة ظالمة، استعبدت الأحرار، وأذلّت الكرامة الإنسانية، وأهدرت لباب القلوب، واعتزت بالقشور والجلود، وعاثت بالفساد في ديار الناس ولم تحاول محاولات جدية أن ترفع مستوى الحياة في بلاد الملونين ليلحقوا بالقافلة الإنسانية السريعة المراكب، بل على العكس أثقلت أرجل غيرها بالقيود وعوائق الفساد ليتخلفوا عنها ويحتاجوا إليها دائماً ويكونوا معها (حيوانات بشرية) لحمل أثقالها وجلب مغانمها.
ولكن رب البشرية بالمرصاد، فقد خرب ديار الطغاة، وجوعهم وأهلك حرثهم وعمرانهم ونسلهم، ووقفهم على هاوية الدمار التام ليتردوا فيها عما قريب إذا لم يراعوا أمانة الاستخلاف في الأرض ورعاية حرمات الناس وحقوقهم الطبيعية.
إن الأجناس المتخلفة تدرك بفطرتها ما في طبيعة المسلمين من رحمة بها واعتراف بحقوقها وغيرة على حرماتها وحب لتقدمها، ولذلك تقبل على الإسلام، وعلى شعيرة الحج بنوع خاص، لتشعر لأول مرة في هذا العصر بقيمة ذاتها، واكتمال حقوقها واعتراف الدنيا بإنسانيتها.
ومن يرى الإنسانية في ثيابها البسيطة، وحفائها وابتهالها حول الكعبة وبكائها لربها واصطفافها جميعاً على قدم المساواة، يبيع نفسه لخدمتها وإنصافها ومكافحة الطواغيت