يكتب عن غير عقيدة. والعقاد يخلق حتى المبادئ الخلقية، والرافعي لا يستطيع أن يخلق شيئاً. ونحن نظن أن الرافعي رحمه الله لم يكن يسره أن تبلغ به المقدرة حد خلق المبادئ الخلقية، لكن كان يسره من غير شك أن يكون له على خلق غير المبادئ الخلقية شيء من المقدرة
والعقاد بعد ذلك هو أديب الذهن المشرق (مقال ٦) والطبيعة الممتازة والنفس الرحبة والمواهب التي تنتفع بالثقافة وتعلو على حدود الثقافات! أما الرافعي فهو أديب الذهن المريض الخابي المغلق غير ذي النفس ولا الثقافة. ثم العقاد فوق ذلك وقبل ذلك هو الكاتب الجبار الذي بقي (وتضعضع خصومه ووراءهم قوة العدد وقوة الحكم وقوة المال وقوة الماضي الوطني وكل قوة مأمولة في الوجود)! أما الرافعي فهو أحد خصوم العقاد الذين لم يغن عنهم حيال جبورته التجاؤهم إلى الدين وهو أقوى أثراً من السياسة وأكثر اتباعاً، فكانوا رغم استعانتهم بالدين في محاربة العقاد من المغلوبين. فصاحبنا كما ترى لا يتشكك في أن العقاد هو هزم الوفد وهو هزم غير الوفد ممن استعان في خصومته بسلطان السياسة أو الدين. وتقوم غاشية الهوى دون عقل صاحبنا فلا يبصر العوامل المتعددة القوية التي كان مجموعها أقوى من سلطان الوفد فانهزم، ولا يذكر أن المعركة التي انهزم الوفد فيها كان أمضى سلاحها سلاحاً دينياً، وكان من أكثر الناس استعمالا له حين جد الجد العقاد
إلى هذا الحد من الإسراف والغفلة بلغ بصاحبنا هواه. وجدير لمن يتصدى للحكم بين اثنين هذا مبلغ إسرافه فيهما على نفسه أن يغفل حسنات أحدهما ولا يبصر سيئات الآخر، وأن يخرج النقد من قلمه شيئاً آخر أو أقل خلقاً آخر ينكره الحق ولا ينكره الباطل لغلبة الهوى عليه وقلة أثر العقل فيه
لكن صاحبنا لا يعجبه أن ينبه منبه إلى ما في إسرافه ذلك من خطر عليه هو: على نزاهة حكمه وحرية رأيه واستقلال فكره وحيوية نفسه وسلامة طبعه، فيرد على من نبهه رد المغيظ المحنق رامياً إياه بتكلف التورع والتنطس تارة، وبعدم التفريق بين الكيف والكم ولا بين الصدق و (النخع) تارة أخرى، زاعماً أنه فيما قال إنما يتبع البرهان والدليل! وإلى الخطر الذي يحيط ببرهانه هذا ودليله أريد تنبيهه، فلم يزد على أن جاء بدليل آخر على إسرافه في التشيع حين لم يتنبه إلى احتمال وقوع الخلل في رأيه ومنطقة من جراء غلوه،