تركنا مقاعدنا وأخذنا نطوف جوانب الحديقة لنعرف ما إذا كانت جنود الربيع قد احتلت أنحاءها الأخرى
ثم دعوتها إلى تناول العشاء معي، فقبلت الدعوة دون تردد. . والعجيب أني وجدت من الطبيعي أن أدعوها إلى تناول العشاء، كما كان عجيباً أن تجد هي أيضاً من الطبيعي أن تتقبل هذه الدعوة. . ما أعجب تصرفاتك أيها الحب! وفي أثناء العشاء التهمت صديقتي بالنظرات، معجباً كل الإعجاب بعيونها الكستنائية الصافية التي قامت على حراستها أهداب براقة فتية، وأعجبت بقوامها الرشيق، وثوبها البسيط الأنيق. . ثم صرنا تتلافى في كل يوم. . ولم يشأ أن يسأل أحدنا الآخر عن ماضيه. . ما شأن الماضي بنا؟ ما شأن الأشياء التي ماتت وانقرضت؟ لم نعذب أنفسنا بأوهام وأشباح؟ كذلك لم نشأ أن نفكر في المستقبل، لأن المستقبل لن يكون خالياً من الخطر والغموض. . أليس الفراق يراقبنا عن كثب؟ ألست طالباً أجنبياً تنتهي دراسته بعد أسابيع ثم يعود إلى وطنه؟ ما لنا وللمستقبل إذا كنا ننعم بالسعادة والحب في الحاضر؟
قضينا أياماً لذيذة سعيدة مرت كعادتها سراعاً. . . أي صديقتي العزيزة! إني لن أنسى وفاءك ما حييت! كم كنت تحثيني على المذاكرة عند اقتراب الامتحان، ونجاحي معناه الافتراق، معناه عودتي إلى الوطن. . ولو رسبت لطالت إقامتي معك. . ولكنك آثرت نفسي على نفسك، وقدمت مصلحتي على مصلحتك!
أي صديقتي المحبوبة! إن قلبي يتفطر حزناً كلما تذكرت يوم نجاحي، وقد جئت إلى الكلية أعرف النتيجة، فلما عرفت نجاحي طوقتني بذراعيك وقبلتني أمام الجميع بلا مبالاة من شدة الفرح، بينما لمحت دمعة تتحدر من عينك المحبوبة للفراق المرتقب!. .
أي صديقتي العزيزة! إني ما زلت أراك وأنت ترافقينني في مسيري لقضاء بعض حاجاتي قبل الرحيل، وقد تظاهرت بالغبطة والسرور كي لا تدخلي على الغم في الأيام القليلة التي سأقضيها معك في باريس! كنت فرحة وأنت تنتقين لي الهدايا التي سوف أقدمها لدى عودتي إلى أفراد أسرتي في مصر! أي صديقتيالعزيزة! إني ما زلت أراك تكفكفين دموعك خلسة حينما حجزنا تذكرة عودتي لدى إحدى شركات الملاحة! إني ما زلت أذكر عشاءنا منفردين في الفندق عشية الرحيل. . . لقد بدا عليك الحزن في أجلي مظاهره، لأنه لم يعد