كبار الأدباء والكتاب مثل فونتينل ودلامبير والأب فوازنون ومدام دي بوكاج، وأن ينظم بعض القصائد، وأن يترجم بعض القطع والرسائل
وعاد كازانوفا إلى البندقية (سنة ١٧٥٣) وقد فاضت نفسه غبطة وزهوا بما تذوق من صنوف اللهو الرفيع، وما حقق لنفسه من ظفر في ميدان الحب، وبدت له البندقية عندئذ ضيقة متواضعة، بالنسبة لما رأى وشهد في باريس؛ وذكت أطماعه وأمانيه، وزاد غروراً وترفعاً واستهتاراً، وأخذ ينظر إلى هذا المجتمع البندقي من عل، ويتصل بالكبراء والسفراء ولاسيما سفير فرنسا الأب دي برني؛ ولم يكن كازانوفا متحفظاً في أقواله أو أعماله. فكان يطلق العنان لآرائه المتطرفة، ويزاول الشعوذة علناً، وكان يثير على نفسه السخط في كل ناحية، وكانت علائقه الغرامية موضع الحديث ومثار النقمة؛ وكان ثمة جماعة من النبلاء والكبراء الذين يضايقهم بلسانه ومنافساته الغرامية يتربصون الفرص لسحقه؛ وكان من هؤلاء كبير من كبراء الدولة هو (الشيخ) كوندلمر النائب العام؛ وكان لهذا الشيخ القوي صاحبة تدعى مدام زورزي سطا عليها كازانوفا وانتزعها منه، فاعتزم التنكيل به، وأطلق في أثره جواسيس الشرطة يقدمون عنه التقارير القاذفة، وفيها أنه يتصل بالسفراء الأجانب بعلائق مريبة، ويخدع البسطاء بمزاعمه السحرية، ويعيش على نفقة الغير، ويغوي البنات والنساء المتزوجات، ويسخر من الدين، وينتمي إلى البناء الحر (الماسونية)، وغير ذلك من التهم الخطيرة التي تكفي لإدانته وإهلاكه
وعلى أثر ذلك قررت محكمة التحقيق (التفتيش) اعتقال المتهم، وفي فجر ٢٦ يوليه سنة ١٧٥٥ ذهب مدير الشرطة مع ثلة من رجاله إلى منزل كازانوفا واعتقله، وأخذه مصفدا إلى قصر الدوجات؛ وهنالك ألقي به إلى السجن المواجه في غرفة لا هواء فيها ولا نور تعمرها الجرذان والحشرات المختلفة، وتكاد لانخفاضها تقصر عن إيواء قامته المديدة؛ وفي الحادي والعشرين من أغسطس قضت محكمة التفتيش بإدانته في التهم التي نسبت إليه ولاسيما الطعن في الدين، وقضت بسجنه خمسة أعوام في سجن (الرصاص) الشهير (بيومبي) وهو الذي اعتقل فيه. وقضى كازانوفا أيامه الأولى في السجن في ذهول ويأس يكاد يمزقه الغيظ والكمد، وكان منقطع الصلة بالعالم الخارجي، لا يعرف شيئاً عن سبب اعتقاله أو مداه؛ وكان يؤمل بادئ ذي بدء أن يسترد حريته بسرعة بمؤازرة بعض أصدقائه