للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأقوياء، ولكن الشهور تعاقبت عليه دون أن ينفذ إلى وكره المظلم شعاع من الأمل، وأعقب الصيف الخريف ثم تعاقبت الفصول، عندئذ ترك اليأس جانباً، واستعاد عزمه وقوة نفسه، وعول على الفرار؛ وما زال يعمل في خفاء وصمت، ويغالب الصعاب والرقابة الصارمة حتى نضج مشروعه. وفي ليل اليوم الأول من نوفمبر، فر كازانوفا مع شريكه وجاره في السجن الأب بالبي، وذلك بأن خرقا عرش الغرفة الرصاصي، واستطاعا بعد مجهود عنيف مروع أن ينحدرا من جدران القصر إلى ميدان القديس مرقص، واستقلا زورقا حملهما في جوف الظلام بعيدا عن مواطن الخطر؛ ولم يأمن كازانوفا على نفسه حتى جاز حدود البندقية إلى ارض بورجو دي فالزجانو المجاورة، وبذلك أمن شر مطارديه واستطاع أن يتنفس نسيم الحرية مرة أخرى

وتركت تلك المحنة في نفس كازانوفا اعمق الأثر، وكان قد جاوز الثلاثين يومئذ، واستحالت لديه نزعات الحداثة إلى نوع من التفكير المتزن، وأخذت الأطماع والأماني تغلب على نفسه، وتخضع لديه نزواته المضطرمة؛ وكان همه دائماً أن يغزو المجتمع الرفيع، ولكن غزو المجتمع الرفيع يقتضي مالا ومغامرة؛ وكان المجتمع الباريزي الذي عرفه حيناً وتذوق فيه لذة الظفر والأمل يجذبه دائماً ويلوح له بأعظم الأماني؛ ولهذا نراه في باريس في يناير سنة ١٧٥٧ يبحث عن طالعه كرة أخرى؛ وكان صديقه وحاميه القديم السيد براجادين يمده بمرتب حسن، وكان صديقه الأب دي برني سفير فرنسا السابق في البندقية قد عاد إلى فرنسا، وتولى وزارة الخارجية، فتقدم إليه يطلب عونه، فأوصى به بعض كبراء الدولة؛ وكانت المشكلة المالية أهم ما يشغل فرنسا يومئذ وفي سبيل حلها تقدم أغرب المشاريع والاقتراحات. وكان من بين المشاريع التي وضعت لإيجاد بعض المال أن تصدر الدولة (أوراق يانصيب) يغطي إيرادها نفقات المدرسة الحربية التي أنشئت يومئذ لتخريج ضباط للجيش الفرنسي؛ وكان يضطلع بالمشروع أخوان إيطاليان يدعوان كالسابيجي، فاتصل كازانوفا بذوي النفوذ والمشرفين على العمل، وكان يتمتع في ذلك الميدان ببعض الخبرة ويقدم عن المشروع آراءه وملاحظاته، فرؤى أن يعين مديرا للمشروع بمرتب ضخم وعمولة حسنة، وصدر بالمشروع قرار وزاري في أكتوبر سنة ١٧٥٧

<<  <  ج:
ص:  >  >>