للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهكذا تبوأ كازانوفا منصباً خطيراً مربحا يحقق له تلك الحياة الناعمة المستقلة التي طالما طمح إليها، واتخذ له مسكنا فخماً في ضاحية سان دني يموج بالنعم والحشم. وأقبل الناس على شراء أوراق اليانصيب الحكومية إقبالا حسنا؛ ووقع السحب الأول في إبريل من العام التالي وأسفر عن نتائج مرضية؛ ثم وقع مراراً خلال العامين التاليين، وظفرت المدرسة الحربية بكل النفقات اللازمة؛ وحقق كازانوفا لنفسه ربحاً وفيراً يقال إنه بلغ مائة ألف في العام، هذا عدا ما كان يربحه من أعمال التنجيم والشعوذة التي لم ينقطع عن مزاولتها؛ وعهد إليه أثناء ذلك ببعض المهام الرسمية السرية فأداها بنجاح؛ وعهد إليه أيضاً بمهمة مالية في هولندة فأسفرت عن نتائج مرضية؛ وهكذا ذاع اسمه وتوطد مركزه، وزاد ثراؤه، وشعر لأول مرة في حياته بأنه غدا الرجل الذي طمح أن يغدو، ينثر الذهب من حوله بلا حساب، ويحقق لنفسه أعز الرغبات والأهواء والأماني

واتخذ كازانوفا لنفسه خارج باريس مسكناً آخر غير مسكنه الباريسي أنيقاً وثيراً به حاشية باهرة، وخيل مطهمة، وهنالك كان يقظي معظم أوقاته في متاع ومرح، يطلق لنفسه عنان الهوى والحب، ويستمرئ غزواته النسائية بلا انقطاع؛ وكان كازانوفا يعشق الحياة الفخمة، ويتعلق بمظاهر العظمة والأناقة، ولكنه لبث دائماً ذلك المحب النهم الذي تغلب لديه الغرائز الوضيعة، والذي يسعى إلى إرضاء شهواته المضطرمة بأي الوسائل، وفي أي الظروف والمناسبات

وانفق كازانوفا في باريس بضعة أعوام في عيش طروب خفض يغزو جميع القلوب، وينعم بوصل السيدات والغانيات من كل ضرب ويزاول التنجيم والشعوذة؛ وكان يتسمى عندئذ بالشفاليه دي سنجال، أو الشفالييه سنجال دي فاروزي، ويبهر الناس بروعة مظاهره وأساليبه، ويتقرب من الأكابر، وينعم بالجاه والنفوذ والثراء. بيد أن هذه الحياة الباهرة كانت تنضح دائماً عن جوانب وثغرات مريبة؛ ذلك أن كازانوفا لم يكن متحوطاً في مغامراته وعبثه؛ ولم يكن يحجم عن أي الوسائل لاستلاب المال أو القلوب؛ ومن ذلك أنه اشترك في حادث تزوير أوراق مالية، وأغرى عدد من أكابر السيدات، ومنهن المركيزة دورفي التي خدعها واستحوذ على قلبها ومالها بشعوذته؛ وسطا على كثير من الأزواج والآباء، فاستلب منهم زوجاتهم أو بناتهم، واتصل بجماعة خطرة من الأفاقين ولصوص

<<  <  ج:
ص:  >  >>