للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التي استروحت أنسام الأرض الطيبة على ضفاف نهر واحد وتحت سماء وطن واحد. . واليوم ومعاول الاستعمار تحاول أن تهدم صرح الوحدة المقدسة، يطيب لهذا القلم أن يقطف من روضة الشعور تلك الكلمات، أو تلك الزهرات التي يدعو الله مخلصا أن يتضرع منها العبير ويعبق الأرج؛ عبير الوطنية المتدفقة وأريج الوفاء الخالد، هناك في أقصى الجنوب حيث تخفق للدعاء قلوب وقلوب. .

إن الشمل لن يتفرق، وإن البناء لن يتصدع، ما دامت هذه القطرات الأبية من الدم المسفوك على ضفاف القناة وفوق ثرى الخرطوم، قد ألقت على الطغاة أروع الدروس في التضحَية والبذل والفداء، وأقلقت منهم المضاجع وهي سارية في العروق وهي جارية على الأرض، وهي في حركة الحياة الطليقة وهي في سكون العدم. . وحسبها من قداسة الوحدة أن يثيرها هناك عدو واحد، وأن يريقها هنا سلاح واحد، وأن ترتد في نهاية المطاف إلى موضعها من هذا الثرى الحبيب!

يا أخي في الجنوب، يا أخي في الله والدين والوطن. . بيننا وبينك هذه الكلمات، أو بيننا وبينك هذه الأبيات، إنها لشاعر لم يعرف في حياته غير الصدق والوفاء، حين يكون الصدق مترجما عن خفقة القلب، وحين يكون الوفاء معبرا عن يقظة الضمير. . ولقد أهداها إليك بالأمس وما أشبهه باليوم، حين مضت طلائع المرجفين تبذر بذور الفرقة بين الصفوف وتترك كلمة الله لتتبع خطوات الشيطان. . إن على محمود طه لا يزال يرفع صوته من وراء الأبد، ليقدم إليك لوعة الشعر في محنة الشعور:

أخي! إن وردت النيل قبل ورودي ... فحي ذمامي عنده وعهودي

وقبل ثرى فيه امتزاجنا أبوة ... ونسلمه لابن لنا وحفيد

أخي! إن أذان الفجر لبيت صوته ... سمعت لتكبيري ووقع سجودي

وما صغت قولا أو هتفت بآية ... خلا منطقي من لفظها وقصيدي

أخي! إن حواك الصبح ريان مشرقا ... أفقت على يوم أغر سعيد

أخي! إن طواك الليل سهمان سادرا ... نبا فيه جنبي واستحال رقودي

أخي! إن شربت الماء صفوا فقد زكت ... خمائل جناتي وطاب حصيدي

أخي! إن جفاك النهر أو جف نبعه ... مشى الموت في زهري وقصف عودي

<<  <  ج:
ص:  >  >>