سينقل إلى الجيران وجيران الجيران نحنحته القوراء؟
أمَا كان في مقدوره أن يدير وجهه أو يدير الميكروفون قبل أن يقترف ذلك الصوت؟
أضحكني أن يقع شيخ العروبة فيما وقع فيه فأخذت أترصد له غلطة أدبية أو تاريخية لأهجم عليه في جريدة البلاغ، ثم اتفق لحسن الحظ قال كلاماً غير صحيح، وهو يتكلم عن مدح الرسول في (نهج البردة)، وكنت يومئذ مشغولاً بتأليف كتاب (المدائح النبوية) فوجدت عندي من المحصول الأدبي والتاريخي ما يكفي لإفحامه بلا عناء
وما كادت تظهر كلمتي فيه حتى اندفع الرجل لمصاولتي على صفحات البلاغ بأسلوب ساحق ماحق، وكان رحمه الله آية في الكر والفرّ، وكان لا يهجم على باحث إلا تركه كالرفات، بفضل اطلاعه الشامل وذكائه الوهاج
كنت يومئذ بين نارين: نار الخوف من التطاول على شيخ جليل خدم اللغة والأدب والتاريخ، ونار الخوف من الهزيمة أمام القراء، وأنا محرر الصفحة الأدبية بجريدة البلاغ
وفي تلك المعمعة قدم الباشا للبحث عني في الجريدة ومعه الأستاذ عبد الرحمن بك عزام فحدق في وجهي وقال: أما تستحي من شتمي وأنا أستاذك؟
فتماسكت قليلاً ثم قلت: وأنت يا باشا. أما تكف شرك عن تلميذك؟
فابتسم عبد الرحمن بك وقال: لا موجب للجدل بعد هذا العتاب اللطيف!
ولكن زكي باشا لم يسكت عني، ومضى يلاحقني بإيذاء لم يفضه غير الحادث الآتي:
كانت حوادث فلسطين وصلت إلى آلام وجراح، فأرسل زكي باشا إلى الحاج أمين الحسيني برقية مطولة كلفته أحد عشر جنيهاً، وكان ينتظر أن يصل إليه جواب رقيق، ولكنه لم يتلق أي رد من الحاج أمين، فكتب إليه يسأل عن سر ذلك السكوت فكان الجواب أن البرقية وصلت، ولكنها لم تكن بإمضاء (زكي باشا) وإنما كانت بإمضاء (زكي مبارك)!
وامتشق زكي باشا قلمه وأنشأ مقالاً أخذ أربعة أنهر من جريدة الأهرام، وكان في مقاله أن عامل التلغراف حرف الإمضاء، فإن كان من مصر فإلى (الليمان) وإن كان من فلسطين فإلى (البحر الميت) وأعلن زكي باشا أن التحريف مقصود، وكانت حجته أن (زكي باشا) قد تحرف إلى (زكي الابراشي) بسبب (الشين) ولكنها لا تُحرّف إلى (زكي مبارك)
وامتشقت قلمي فكتبت رداً وجيزاً نشرته الأهرام في أول نهر من الصحيفة الأولى، وكان