أهل الكتاب سيؤمنون بعيسى قبل موته، وهم لم يؤمنوا به إلى الآن على الوجه الذي طلب منهم، فلابد أن يكون عيسى إلى الآن حياً، ولا بد أن يتحقق هذا الإيمان به قبل موته، وذلك إنما يكون عند نزوله آخر الزمان
الثاني: أن الضمير في (به) لعيسى، وفي (موته) للكتابي. والمعنى: أنه ما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى. والإخبار بإيمان أهل الكتاب على هذا الوجه لا يتوقف على حياة عيسى الآن، ولا على نزوله في المستقبل، لأن المراد أنهم يؤمنون عند معاينتهم الموت بأنه نبي الله وابن أمته
هذان رأيان مشهوران في الآية عند المفسرين، ولكل منهما من يرجحه. وقد ساقهما ابن جرير، وذكر الآثار التي تدل لكل منهما ثم قال:(وأولى الأقوال بالصحة والصواب قوله من قال: تأويل ذلك، وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل أن يموت عيسى. وإنما قلنا ذلك لأن الله جل ثناؤه حكم لكل مؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم بحكم أهل الإيمان في الموارثة والصلاة عليه وإلحاق صغار أولاده بحكمه في الملة؛ فلو كان كل كتابي يؤمن بعيسى قبل موته لوجب ألا يرث الكتابي إذا مات إلا أولاده الصغار أو البالغون منهم من أهل الإسلام. . . وأن يكون حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه وغسله وتقبيره، لأن من مات مؤمناً بعيسى فقد مات مؤمنا بمحمد. . . وقد أجمع أهل الإسلام على أن كل كتابي مات قبل إقراره بمحمد صلوات الله عليه، وما جاء به من عند الله فمحكوم له بحكم ما كان عليه أيام حياته غير منقول شيء من أحكامه في نفسه وماله وولده صغارهم وكبارهم بموته عما كان عليه في حياته، فدل هذا على أن المعنى: إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وان ذلك عند نزوله)
ويريد ابن جرير بهذه العبارة أن الإيمان بعيسى يلزمه الإيمان بمحمد صلوات الله وسلامه عليهما، لأن رسالة محمد مما جاء به عيسى، وعليه يكون من آمن بعيسى مؤمناً بمحمد فيكون مسلماً له أحكام المسلمين في التوارث والصلاة عليه وغسله ودفنه في مقابر المسلمين. . . الخ. وهذا يخالف إجماع السلمين على عدم ثبوت شيء من هذه الأحكام للكتابي الذي يموت، وإذا كان هذا يخالف الإجماع فقد بطل أن يكون معنى الآية ما ذكر، وكان (أولى الأقوال بالصحة والصواب) في نظر ابن جرير هو الرأي الأول الذي لا