الالتجاء إلى القوة المادية؛ فزحفت القوات السعودية في نجران وتهامة صوب الجنوب، واستولت على جميع مواقعها وانتهت كما تقدم بالاستيلاء على ثغر الحديدة، وانهارت في الحال كل التدابير التي اتخذها الإمام للحرب والدفاع، وأضحت اليمن تحت رحمة القوات السعودية التي تطوقها من الشمال والغرب.
وتطور الحرب بين ابن السعود والإمام على هذا النحو يثير احتمالات ومسائل في منتهى الخطورة، وساء في داخل الجزيرة العربية أو خارجها، ولا سيما إذا استمرت القوات السعودية في زحفها على اليمن وانتهت بالاستيلاء عليها. ذلك أن ابن السعود الذي يسيطر على قلب الجزيرة العربية من الأحساء وعمان شرقاً إلى ساحل البحر الأحمر غرباً، ومن بادية العراق وشرق الأردن شمالاً حتى الربع الخالي جنوباً، يغدو باستيلائه على اليمن سيد الجزيرة المطلق، والمسيطر على الساحل الشرقي للبحر الأحمر كله من العقبة حتى مضيق باب المندب. وقيام إمبراطورية عربية قوية على هذا النحو تشمل نجداً والحجاز واليمن مما يثير اهتمام السياسة البريطانية ومخاوفها. وقد كان تقدم المملكة السعودية في الأعوام الأخيرة موضع اهتمامها دائماً. ذلك أن المملكة السعودية تجاور مناطق النفوذ البريطاني والأملاك البريطانية في جميع أنحاء الجزيرة العربية؛ فهي تجاور عمان والكويت من الشرق، والعراق وفلسطين وشرق الأردن من الشمال، وإذا تم ضم اليمن إليها، فإنها تجاور عدن وحضرموت من الجنوب. وعلائق ابن السعود مع بريطانيا العظمى ودية حسنة. وقد نظمت منذ سنة ١٩٢٢ بمعاهدة المحمرة ثم ببروتوكول العقير. بل إن علائق الصداقة بين ابن السعود وبريطانيا ترجع إلى ما قبل عشرين عاماً، أعني إلى ما قبيل الحرب الكبرى. وكان ابن السعود يومئذ اميراً محلياً، فرأى في اتصاله بالسياسة البريطانية وسيلة لتحقيق مشروعاته؛ وحالف بريطانيا العظمى على الترك، ولزم الحياد أثناء الحرب وفاء بعهده لها. وافتتح في ذلك الحين منطقة شمر في شمال نجد وانتزعها من يد خصمه ومنافسه ابن الرشيد، وبدأت إمارة نجد تتخذ مكانها وأهميتها في شئون الجزيرة العربية. وفي سنة ١٩٢٤ غزا ابن السعود الحجاز واستولى عليها من يد الحسين بن علي ملكها يومئذ، وامتدت حدود نجد حتى ساحل البحر الاحمر، وقامت من ذلك الحين مملكة نجد والحجاز القوية، واعترفت بقيامها الدول وفي مقدمتها بريطانيا العظمى. وكانت السياسة البريطانية