إذا عرفت أسرها كيف توازن بين دخلها وخرجها، وكيف تفرق بين الضروري والكمالي وما ليس بضروري ولا كمالي، ولم تسمح لنفسها أن تصرف في الكمالي حتى تستوفي الضروري، ولا في غير الضروري والكمالي - حتى تستوفي الكمالي، فذلك - من غير شك - يجعل الأسر أسعد حالاً، وأهدأ بالا، وأكثر استعداداً للرقي، وهل الأمة إلامجموعة من الأسر؟ وهل رقي الأمة إلاحاصل جمع رقي الاسر، وكما أن أسرة قد تكون أسعد من أسرة مع إن دخلها أقل وثروتها أضعف، ولكن عقلها أكبر، وتصريفها لمالها أدق، فكذلك الأمم ليس خيرها أغناها، ولكن خيرها من عرفت كيف تستخدم مالها وأحاطت ما تملك بوسائل اجتماعية، وكمية كبيرة من الإصلاح تجعل مالها يتضاعف في القيمة وإن لم يتضاعف في العدد - فكم من الأمم لها ثروة كبيرة طبيعية ولكن لم تعرف كيف تستخدمها ولا جزءاً منها، ولو حلت محلها أمة أخرى لصيرت صحراءهابستاناً وجبالها جناناً، ولجعلت ترابها ذهباً وأرضها عجباً.
ومن أجل هذا لم يخطئ كثيراً من حصر مقياس رقي الأمة في مقدار تغلبها على طبيعة بلادها وتعديل نفسها حسب ما يحيط بها - لأنها لا تصل إلى ذلك إلا بمقدار كبير من العلوم الطبيعية يمكنها من الانتفاع بأرضها وجوها وبقدر وافر من العلوم الاقتصادية يبين لها كيف تستغل منابعها، وبقدر وافر من العلوم الاقتصادية يبين لها كيف تستغل منابعها، وبمقدار صالح من النظم السياسية والاجتماعية والأخلاقية يهيئ للأفراد سبل الانتفاع بما حولهم ويعدهم خيراً عداد للنظر في مصالحهم.
فليتساءل الشرقي في ضوء هذا: أين هو في نفسه، وأين هو في أمته، وأين أمته في العالم؟