للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحسن مما أستخدمه آباؤها فقلت الوفيات وتحسنت صحتها، وجمل منظرها، ونظفت عيشتها، وأصبح نيل القوت أسهل وأيسر حتى تفرغ كثير من أبنائها وبناتها للعلم والفن والأدب؟ أظن إن هذه الأسئلة متى حددت بهذا الشكل لم تكن الإجابة عليها عسيرة، وبذلك نستعين على تعيين الاتجاه ومقدار الرقي إن كان.

ومن ناحية أخرى، ربما عد من أكبر دلائل الرقي في الأمة (تذليل العقبات أمام الكفايات) فخير الأمم من أفسحت السبيل أمام أفرادها ليرقوا كما يشاءون حسب استعدادهم وجدهم، في التعلم، في الوظائف، في النواحي السياسية والاجتماعية - وقد قطعت الأمم المتمدنة في ذلك خطوات واسعة، فأزالت احتكار الأرستقراطية للمناصب العليا، وسهلت وسائل التعلم لمن شاء، واعتمدت في تقدير الأشخاص على مزاياهم لا على بيتهم - إلى درجة كبيرة - وحاربت (المحسوبية) والنزعات الأرستقراطية، وقضت على النظام الإقطاعي الذي يميز بين الطبقات، ويضع حداً فاصلاً بينها لا يمكن كل فرد بذكائه ومواهبه أن يصل إلى ما يستطيع من رقي - وإن كانوا هم أنفسهم يصرحون بأنهم لم يبلغوا الغاية في ذلك، وأن أمامهم عقبات شاقة ومسافات طويلة يجب أن يقطعوها حتى يسهل على كل فرد تحقيق غايته وبلوغ شأوه

وربما كان كذلك من أهم دلائل الرقي النظر إلى ثروة الأمة ومقدار ما يصرف منها على (الصالح العام) من مدارس ومصانع ومساجد ومتنزهات وحدائق وماء وإنارة ونحو ذلك ولست أعني النظر إلى كمية ما يصرف فحسب، ولكن أعني أيضاً كيفية الصرف، وهل أنفق هذا القدر في أحسن السبل وهل هناك وجه آخر خير منه؟. كذلك لست أعني ما ينفق في ذلك من ميزانية الحكومة فقط، ولكن اعني أيضاً مقدار شعور الأفراد في هذا الباب ومقدار ما يتبرعون به من أموالهم لهذا الصالح العام، فليست ثروة الأمة مقصورة على ميزانية الحكومة ولكنها تشمل ثروة الأفراد (وفي أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم) فالأمة التي لا يشعر أغنياؤها بواجب في أموالهم لفقرائها، أو يشعرون شعوراً ضعيفاً لا يقوى على استخراج المال من جيوبهم، أمة منحطة إذا قيست بغيرها من الأمم التي كثرت فيها المدارس والأندية والمستشفيات والجمعيات الخيرية من مال أغنيائها

ومما يتصل بهذا الأمر، النظر في ميزانية الأُسَر في الأمة وكيف تنفق، فأمة خير من أمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>