يؤثر قويها في ضعيفها، وضعيفها في قويها - وهذا التغير الدائم في كل هذه المرافق هو مقياس الرقي والانحطاط، فان كان تغيراً إلى سمو فرقي، وان كان تغيراً إلى تدهور فانحطاط
وحسبان هذا ليس بالأمر اليسير، فقد تتدهور بعض المرافق لأسباب خاصة، وتسمو بعض المرافق لأسباب كذلك، ثم تتفاعل عوامل الضعف والقوة فينشأ من ذلك عملية حسابية من أصعب المسائل حلا. والمثل الأعلى للأمة أن يكون كل مرفق من مرافقها الاجتماعية يؤدي عمله خير اداء، ويتنقل في سمو أبداً، وأن يكون سيره ورقيه في حالة ملائمة ومناسبة لسائر المرافق الاجتماعية، لا يطفر عنها ولا يقعد بها - فالأمة التي تختار أحسن النظم في التربية والتعليم ولا تساعدها اللغة على المصطلحات الحديثة لا ترقى في التربية والتعليم حتى تحل مشكلتها اللغوية، والأمة التي تختار أحسن النظريات الفقهية وخير النظم القضائية، ثم لا يعينها على ذلك حالة الأسر الأخلاقية وحالة المعاملات بين الأفراد لا يمكن على ذلك حالة الأسر الأخلاقية وحالة المعاملات بين الأفراد لا يمكن أن ترقى بنظرياتها الفقهية من الناحية القضائية، والأمة التي تسن أرقى أنواع الإصلاحات الاجتماعية ثم لا تعينها الناحية الاقتصادية تصبح وإصلاحاتها تسر القارئ ولا تسر الناظر وهكذا.
وهناك دلائل قوية تدل الباحث على رقي الأمة وتدهورها وسيرها إلى الإمام أو إلى الخلف، إما بمقارنتها بغيرها من الأمم في نواحي معينة أو بمقارنتها بنفسها في عصرها الحاضر وعصرها السابق، والمقارنة الأولى تدلنا على الدرجة التي تقف عليها الأمة في سلم الرقي العام، والمقارنة الثانية تدلنا على اتجاه سيرها: إلى فوق أو إلى تحت
من أهم هذه الدلائل تعرّفُ موقف الامة ازاء ما يحيط بها من ظروف طبيعية واجتماعية: هل هذا الجيل أحسن استخداما لبيئته وما يحيط به؟ هل استطاع أسلافه؟ هل استخدم المنابع القديمة خيراً مما استخدمها آباؤه؟ هل كان في حله لما يعرف له من المشاكل الاجتماعية والطبيعية أكثر توفيقاً؟ لمّا عَرَضت هذه المصاعب أو أمثالها لنا ولآبائنا كيف حلوها وكيف حللناها، وما منهجهم في الحل وما منهجنا؟ ما مقدار تضامن الأفراد يومذاك في التغلب عليها، وما مقدار تضامننا اليوم؟ لكل أمة مقدار من الثروة. فهل زادت؟ وهل استطاعت اليوم أن تسعد بثروتها أكثر مما كانت تسعد بها من قبل؟ هل استخدمت العلم