وصار الأزهر - كما نراه الآن - يدرس العلوم الحديثة بفضل ذينك المصلحين العظيمين، وقد خطا كل منهما الخطوة (الممكنة) في زمنه. ولكن هل هذا هو الإصلاح الحقيقي المنشود للأزهر؟
قلت فيما مضى إن العلوم الحديثة في الأزهر (روافد) ثقافية، وأقصد بذلك أنها تمد المجرى الأصيل وهو علوم الشريعة الإسلامية، ولن يكون الأزهر حديثاً ومسايراً لركب الزمن ومحققاً لما يطلب من جامعة إسلامية في القرن العشرين، إلا إذا عرض هذه العلوم بأسلوب حديث وطبق أصولها على مسائل العصر الحديث. وهذا هو ما أعنيه بالإصلاح الحقيقي للأزهر، وهو يتطلب مصلحاً (ثالثاً) يخطو الخطوة (الثالثة) وهي الخطوة التي ستكون في الصميم.
إن الأزهري الحديث يشعر بأنه ذو شخصية مزدوجة: من قديم ومن حديث، فهو يشارك الناس في المجتمع العصري كثيرا من ألوان النشاط العصري، على اختلاف حظوظ الأشخاص من ذلك، ويسايرهم فيها، ويجيد في بعضها. ولكنه مع كل ذلك يشعر بشخصية ثقافية قديمة لا يكاد يبديها لأنها لا تلائم العقلية التي تحيط به. ولو أنه تلقى ثقافته الإسلامية بطريقة عصرية، وبتطبيق عصري، لما أحس بهذا الحاجز القائم في عقله بين ثقافتين مختلفين.
وأريد أن أقول لأولئك الذين كتبوا كلمة هنا وكليمة هناك: إن الأزهر ليس مقصوراً على من ينتسبون إليه ويحملون شهاداته، بل هو للجميع باعتباره منبع المعرفة الإسلامية، ولم أقصد فيما أوردته من رسائل الطلبة وما عقبت به إلا الصالح العام عن طريق تكوين جيل إسلامي جديد يعرض الثقافة الإسلامية عرضاً جديداً ويلائم بينها وبين مقتضيات العصر.
وقد قصدت في كتابتي السابقة أن أشرك الطلبةوأفسح لهم كييعبروا عن مشاعرهم ويبدوا أفكارهم، وأتبعت الطريقة (الأستنتاجية) فاستنبطت منهم عناصر الموضوع حتى بدا تناوله جديداً وإن كانت الأقلام تعاورته من قبل، وقد قصدت بذلك أن أستحث الجيل القائم من علماء الأزهر على أن يخرج كنوزه للناس، فقد قضوا أشطاراً من أعمارهم في دراسة تلك الكتب وإدراك مراميها، وهؤلاء العلماء هم الذخيرة الحية الباقية والطلبة في هذا العصر تؤودهم المناهج المزدحمة وقد أصبحوا لا يسيغون أساليب التأليف القديم وصارت نفوسهم