ونذكر أن السنيور موسوليني قد أدلى في بعض أحاديثه الأخيرة، أن مصر وإنكلترا لا تستطيعان إغلاق قناة السويس لأن المادة ٢٨٢ من معاهدة الصلح (معاهدة فرساي)، وهي التي تنص على المعاهدات والاتفاقات التي يبقى مفعولها بين ألمانيا والحلفاء، قد ذكرت معاهدة أكتوبر سنة ١٨٨٨ الخاصة بدستور القناة ضمن المعاهدات النافذة الباقية (فقرة ١١ من المادة المذكورة)؛ وميثاق عصبة الأمم هو جزء من معاهدة فرساي، فليس فيه إذاً ما يمكن أن يتخذ سنداً لإلغاء معاهدة سنة ١٨٨٨، وهذا اعتراض له قيمته من الوجهة الفقهية لو لم تكن معاهدة سنة ١٨٨٨ قد غيرت في كثير من أجزائها بفعل التطورات الدولية؛ وليس المقصود هنا إلغاء المعاهدة برمتها، وإنما المقصود نسخ حق حرية الملاحة المطلق الذي قررته المعاهدة، لأنه يغدو في مثل هذه الظروف الحاضرة خطراً على سلام العالم، فضلاً عن أنه خطر على مصر ذاتها
هذا من جهة أخرى فان هنالك حالة فعلية لا يمكن إغفالها، هي أن القناة تقع فعلاً تحت سيطرة القوات الإنكليزية، وإنكلترا تدعي عليها بمقتضى تصريح فبراير سنة ١٩٢٣ حقوقاً تؤيدها هذه الحالة الفعلية، ومهما كان من اعتراض مصر على المسائل المحتفظ بها في تصريح فبراير، فانه لا شك أن هذه الحالة الفعلية هي لب المسألة كلها، وإذا كانت مصر تفكر حقاً في إغلاق القناة إذا أقدمت إيطاليا على إضرام نار الحرب، فإنها سوف تفعل ذلك بالتفاهم التام مع إنكلترا؛ وقد يؤيد تصرف الدولتين في ذلك قرار يصدر من عصبة الأمم بتوقيع العقوبات الاقتصادية المنصوص عليها في الميثاق ضد إيطاليا، ويكون إغلاق القناة وقتئذ ذات صبغة دولية محضة، ويكون في عرف العالم كله وسيلة من وسائل التي تتذرع بها مصر وإنكلترا لصون السلام العالمي الذي تصر إيطاليا الفاشستية على تكديره تحقيقاً لشهواتها الاستعمارية