إلى هذه الخرافة، كما هو الشأن لدى بعض القبائل الهمجية. ويقص علينا عامتنا وسكان قرانا أغرب القصص عن المردة الذين لا قوهم في طريقهم ودار بينهم ما دار من حوار ونقاش؛ والماهر منهم من استطاع أن ينجو من المارد الذي اعترضه بجواب لبق أو حيلة ماكرة! وحديث (القرينة) والعفاريت ملأ قرانا ومدننا، وأصبح أشهر من أن يعرف عنه، وله طب خاص وقوامون على أمره يتعهدونه بالبخور (والدقة) وما إلى ذلك من علاج كله ضلال وبطلان
ليس بعسير على الباحث أن يثبت أن خرافة الأشباح هذه جنت على الإنسانية جنايات شنعاء، فبلت بعض الأشخاص بالخوف حتى من ظلهم، وقضت على آخرين بالجنون والصرع وكثير من المصائب والآفات. وقعدت بكثيرين عن السعي وراء أرزاقهم خشية أن يعدو عليهم شبح من الأشباح أو روح من الأرواح. وفي بعض القبائل المتوحشة لا يستطيع شخص أن ينتفع بمال أبيه وأهله وذويه بعد موتهم، لأن أرواحهم تنتقم منه أشد الانتقام غيرة على هذا الحرم المباح والمال المعتدى عليه، فكل يعيش ليومه، ولا يعمل شيئاً لغده؛ وعلى هذا كانت فكرة المستقبل التي هي أساس التقدم الصناعي والتجاري والاقتصادي ضائعة لدى هذه القبائل؛ وفي ضياع هذه الفكرة ما يتنافى وتكوين الثروة والمتاع، وكيف تكون الثروة عند قوم كل همهم من الدنيا عشرات السنين يعيشونها؛ فإذا ماتوا انقرضت أمتعتهم معهم وبددت أموالهم؟ يقول أحد كبار الرحالة:(إنه ليس لدى البتاجون (من سكان أمريكا الجنوبية) أي قانون ولا أية عقوبة ضد المجرمين. كل يعيش على حسب هواه، والسارق الماهر هو الجدير بالتقدير. وليس هناك ما يمنعهم من السرقة وإقامة الأبنية الثابتة إلا العقيدة السائدة من أنه إذا مات أحدهم وجب أن تبدد أملاكه. فكل بتاجوني حصل على ثروة طوال حياته بالسرقة أو الصيد أو التعامل مع القبائل المجاورة لا يفيد ورثته في شيء، ذلك لان كل ما أدخره يبلى معه، وعلى أبنائه أن يكونوا ثروتهم بمجهودهم الخاص. . . وقوم هذه معتقداتهم وتقاليدهم يقنعون بحاجاتهم العاجلة ولا يتعلقون برغبة حقيقية، ولا يصوبون نحو غاية بعيدة؛ وهذا سر كسلهم وتواكلهم ورضاهم بالقليل الذي يتنافى مع التقدم والحضارة، وعلام التعلق بالمستقبل الذي لا يرجى منه خير أو شر؟ الحاضر هو كل شيء في أعينهم، والمنفعة الذاتية مبدؤهم؛ فالابن لا يتعهد قطيع أبيه لعلمه