فقالت الزوجة (وماذا يعنيني! سأدعه يستمتع بأي امرأة شاء ما دمت أرى بين يدي هاتين الزهرتين الجميلتين أجد فيهما اللذة والسلوة) وأحس الرسول بالخيبة والإخفاق فانفلت من لدنها لا يلوي على شيء. وأسرت الزوجة في نفسها أمراً. . .
وفي المساء انطلقت الفتاة تسترق الخطى. . . انطلقت لترى زوجها بين يدي فتاته التي أحب. وأحست بالدوار يكاد يغلبها على أمرها من عنف الصدمة وشعرت أن قلبها الطاهر يكاد ينشق عن صدع يتوثب من خلاله الضيق والكمد، وأن عقلها يتضرم ناراً حامية توشك أن تلتهمها هي، فأسرعت إلى الدار لتضع عنها أصرها في زفرات كاوية يتلظى الغيظ من جوانبها، ولترسل الأسى من عينيها عبرات متدفقة هتانة ما تستطيع أن تكفكفها إلا حين تسمع وقع أقدام زوجها وهو يرقى درج السلم، وإلا حين يهفو ولداها نحوها فتضمهما إلى صدرها في شوق وحنان.
يا لقلب الأنثى! إنك صلب عنيد لا تضرب إلا أن تحس الخيانة من قلب رجل حملت أنت له الإخلاص والوفاء!
يا لقلب الأنثى! إنك راسخ متين لا يعصف بك إلا أن تستشعر المهانة والاحتقار والإهمال من قلب رجل أحببته ساعة من الزمان!
أما أنت أيها الرجل، فلقد سفلت أسفل سافلين، حتى بعت زوجك وأولادك بالثمن البخس بفتاة من عرض الشارع تستلبك من رجولتك ومن شهامتك ومن إنسانيتك في وقت معاً!
وانضم قلب الفتاة على أسى فتَّاك تخر الجبال من هوله، فما استطاعت أن تكشف عن حسرتها أمام أبيها. ولا أن تحدث أمها بحديث كربتها، فراحت تتلمس السلوة في ولديها وفي كلب صغير كان هملا في الدار من قبل، فأخذت تدلله في رقة وتحدب عليه في عناية. وأحس الكلب بسليقته الحيوانية أن سيدته تحنو عليه، فذهب يتمسح بها ويخضع لها ويقع عند قدميها. ورضى الكلب بأن يكون عبد السيدة حين أحس فيها الشفقة والرحمة!
ومضت الأيام والشهور تبذر في دار غراس الشقاق والاضطراب، والزوجة تصبر على ضيق وتغضي على مضض، وهي تنظر إلى طفليها في عطف وتضمهما في حنان. . . ثلاث سنوات عجاف والمسكينة في الميدان تجاهل الرجل وهو غليظ الكبد واهي الرجولة لا يرعوي ولا يرتدع.