صنعوا، إذ خدموا - والحق يقال - لغة (الكتاب) وهل كان لنا هذا التراث، هذه الثروة اللغوية الثمينة لولا تلكم المصوغات المزخرفات؟
وإنا لموقنون أن القوم ما قصدوا في كثير مما لفقوا إساءة و (إنما الأعمال بالنيات) وإن أساءوا وأحسنوا فـ (إن الحسنات يذهبن السيئات)
وبعد فمن مبدع ذلك الخبر؟
ابن عبد ربه وصاحب (تحفة الأخلاء) نقله. وقد روى ياقوت في سيرة (الزبير بن بكار بن عبد الله القرشي) أن من تصانيفه كتاب وفود النعمان على كسرى
فهل صاحب هذا الكتاب هو (الصائغ) المحسن؟
قال الذهبي في (الميزان): الزبير بن بكار الإمام صاحب النسب، كان ثقة من أوعية العلم، لا يلتفت إلى قول أحمد بن علي السليماني حيث ذكره في عداد من يضع الحديث، وقال مرة: منكر الحديث
(قلت): لا يضير أن يلتفت إلى ما ذكره السليماني، وإذا ثبت قوله في ابن بكار فمن يضع الحديث النبوي يضع الحديث الأدبي
وذكر ابن خلكان وياقوت هذه القصة وخلاصتها أن الزبير دخل على محمد بن عبد الله بن طاهر فأكرمه وعظمه، وقال له إن باعدت بيننا الأنساب فقد قربت بيننا الآداب. ولما ودعه قال: إن رأيت يا أبا عبد الله أن تفيدنا شيئاً نرويه عنك
قال: أحدثك بما سمعت أو بما شاهدت؟
قال: بل بما شاهدت
قال: نعم، بينما أنا في مسيري هذا أبصرت جماعة مجتمعة، فأقبلت إليهم، وإذا برجل كان يقنص الظباء، وقد وقع ظبي في حبالته، فذبحه فانتفض في يده فضرب بقرنه صدره فنشب القرن فيه فمات، وإذا بفتاة كأنها المهاة، فلما رأت زوجها ميتاً شهقت ثم قالت أبياتاً منها:
أضحت فتاة بني نهد علانية ... وبَعلها في أكف القوم محتمل
ثم شهقت فماتت. فما رأيت أعجب من الثلاثة: الظبي مذبوح، والرجل جريح ميت، والفتاة ميتة. فلما خرج قال الأمير محمد بن عبد الله: أي شيء أفدنا من الشيخ؟