النقد واختلاف مشارب النقاد. فمن لغويين كالمبرد، إلى أدباء مثل عبد الله ابن المعتز، إلى علماء أخذوا نصيبا يسيرا من المعارف الأجنبية يمثلهم الجاحظ وأبن قتيبة؛ إلى آخرين تأثروا كل التأثر بما نقل عن اليونان كقدامة، ومن أهم الكتب التي تصور هذه الاتجاهات كتاب الكامل للمبرد، وكتاب البديع لابن المعتز، والشعر والشعراء لابن قتيبة، والبيان والتبيين للجاحظ، ونقد الشعر ونقد النثر لقدامة
أما كتاب الكامل فيفيض بطاقة كبيرة من النصوص الأدبية المأثورة حتى كانت تعجب الذوق العرب الخالص في ذلك الوقت. ونرى مؤلفه - وهو أديب لغوي نحوي - يعالج هذه النصوص على طريقته العربية الخالصة فيشير إلى ما فيها من (اختصار مفهم أو إطناب مفخم أو لمحة دالة) ويأتي بالأمثلة الكثيرة على (ألفاظ العرب البينة القريبة المفهمة الحسنة الوصف الجميلة الرصف) وعلى (ما يفضل لتخلصه من التكلف وسلامته من التزيد) ثم على (ما يستحسن لفظه ويستغرب معناه ويحمد اختصاره) وهكذا. ويعجب المبرد بالتشبيه، ولذا نراه في الباب ٤٧ ج ٢ يطيل في ذكر بعض ما مر للعرب والمحدثين بعدهم منه، ويعلق على الأمثلة بطريقته الخاصة محاولا في ثنايا ذلك أن يلم ببعض النواحي النظرية فيه.
أما كتاب عبد الله بن المعتز فهو الذي حدد خصائص مذهب البديع، وفصلها عما عداها ورد هذه الخصائص إلى التراث العربي القديم. وقد كان لهذا أعظم الأثر في توجيه النقد وجهة تاريخية وحمل النقاد على اتخاذ التقاليد في الشعر مقاييس لهم؛ وكان هذا سببا في أن عظمت العناية بمسألة السرقات الأدبية.
وحين نصحب أبن قتيبة في كتابه (الشعر والشعراء) نرى أنه رفض الأخذ بتقسيمات ابن سلام لأنه لم يؤمن بها؛ بل بحث الموضوع من وجهة نظر عقلية بحتة، ونجح في هذا حتى إذا كان دور التطبيق وعمل الذوق الفني أخفق. وقد تدبر الشعر فوجده أربعة أضرب حسب الحسن والجودة في لفظه ومعناه، ومثل لكل ضرب، وقسم الشعراء حسب ما فيهم من تكلف أو طبع، وبين أن للشعر دواعي تحث البطيء وتعبث المتكلف، وله أوقات يبعد فيها قريبه ويستعصب ريضه ولا يعرف لذلك عله إلا من عارض يعرض على الغريزة، كما أن له أوقات يسرع فيها أتيه ويسمح أبيه. ثم يأخذ أبن قتيبة في الكلام على الشعراء