للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والحجج اللاقفة. . .

أو حين أقرأ كتاباً يعرض فكرة من أمهات الأفكار ويسيل به سيلها فيفيض على الفكر والفؤاد. . .

أو حين أرى آلة معقدة التركيب تطير أو تسير أو تخفق بالأصوات والبرقيات مما أخرجه عقل مهندس ذي قدرة على الاستيعاب والتقليد والابتكار. . .

أو حين أرى شيخوخة جليلة واقفة في محراب تتلو صلوات أو ترتل آيات في إطراق وخشية واستحضار لعظمة الكون وجلال بارئه. . .

أو حين أسمع نشيداً من شاعر ذي قلب اتسع وتيقظ للأحاديث الصامتة والناطقة في الطبيعة، واسترق السمع للنغم الذائب في الكون، والموسيقى الأبدية في حركات نجوم السماء ونجوم الأرض. . .

حين هذا وذاك وذلك أقول: هنا موضع تكريم هذا الجنس ومؤهلات خلافته. . .

هنا الإنسانية التي تقنع العقل الحائر بقيمته وقيمة الطبيعة وقيمة الخير والحق والجمال.

هنا وضوح وانكشاف لمعنى سيادته وملكوت واسع يصح أن تستند إليه في تخيل مستقبله وفي تبين موضعه وسط ما يعمر الكون من المخلوقات. . .

ثم أصيح: أيها الإنسان! تيقظ لنفسك لتفرح بها. . . تيقظ إنك حي تسعى وترى وتفكر وتتجه في أي اتجاه تريد وسط الظلام والجماد والنور والصمت والبكم والصمم والعمى.

أنت الذي تفقه وتدرك تلك الحياة التي لا تجد غير عينك وأذنك وسائر حواسك.

تذكر أنت المقصود بكل هذا الذي يحيط بك وأنك خليفة على مقدرات الأرض وأن في يدك قوة من قوى التعمير والإنشاء والتوجيه والتغيير والتنويع والتفريع، وذلك شرف عظيم!

تيقظ واهتف في سمع الزمان والمكان: أنا أنمو وأترقى وأتكلم وأفكر وليس أمامي حدود وسدود أيتها الخلائق الواقفة المحدودة. . .

وأجلس بجانب الجماد والنبات والحيوان فترات لترى الفوارق بينك وبينها. . . ولن يغفر خالق الإنسان لامرئ جاء إلى الحياة ولم يجلس مجلساً بين هذه الكائنات يوازن بينها وبين نفسه ويحدد موضعه منها، ثم يرفع عينه إلى السماء ويخفضها إلى القبر حتى يرى الطريق بينهما. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>