القراء عليه من إحياء الأدب القديم، وإنشاء الأدب الحديث، وتدعيم الأدب المصري بقواعد الفن، وتطعيم الأدب العربي بنتاج الآداب الأُخَر؟
أليست هي ديوان العرب المشترك جمعت فيه الأشتات إلى الأشتات، ووفقت بين الأصوات والأصوات، ثم ألَّفت من هذه الآلات المنفردة جوقة موسيقية متحدة تسكب في مسامع الوجود أناشيد الخلود؟
أليست هي كتاب الشرق الجديد تجد في صفحاته المشرقة روحيته وريحانه، وتحس في معانيه ومراميه إلهامه وإيمانه؟
إن الإشادة بمجهود الرسالة حق علينا لأولئك الأقلام الكريمة التي أخلصت لله وللناس وللفن فجعلت منها هذه المجموعة التي لا تجد لها مثيلاً في عصر من عصور اللغة.
ليت شعري متى تغلظ الأيام فنكتب هذه الكلمة السنوية خالية من الشكاة والألم؟ هيهات هيهات لما نَوَد! إن شكوى الرسالة في كل عام هي شكوى الأدب في كل يوم. وستدوم إن شاء الله ما دامت الحكومة لا تبالي الأدب، والطبقة المتعلمة لا تقرأ الجد، والكثرة الفاحشة لا تعرف القراءة.
قلنا وقال الناس لولاة الأمر إن الأمة لا يمكن أن تكون جسماً من غير عقل، ومنفعة من غير عاطفة، ومادة من غير أدب؛ وإن الحكومة التي لا يعدو همها إصلاح الأرض وتوفير العدة وتقويم البدن لا تخلق إلا مجتمعاً من الشهوات الفاجرة والنزوات الثائرة والغرائز الخشنة؛ وإن المدرسة وحدها لا تستطيع مهما انفسخ ذرعها واتسع مداها أن تربي العقول وتهذب الأخلاق وتثقف العواطف. فأخطروا ببالكم أولئك المجاهدين في سبيل الروح، المجدين في خدمة الفكر، الذائدين عن قدس الخلق؛ أولئك هم الأدباء الأحرار الأبرار الذين يبلغون رسالة الحق في كتاب، أو يؤدون أمانة الخير في صحيفة. أعينوهم على أكلاف العيش بالرعاية، وشجعوهم على إجادة الإنتاج بالجوائز. ولا تكلوهم إلى هوى النفوس وجهل العامة فينطفئوا انطفاء السراج في عين الأعمى، ويموتوا ميتة البلبل في أذن الأصم.
ولكن الأديب كتب عليه أن يجاهد ويجالد ويضحي. لا يستمد العون إلا من ربه، ولا يلتمس العزاء إلا من قلبه، ولا يبتغي الثواب إلا من سلطان ضميره.