وكان أن تفضل الشيخ الأكبر، فأذن لرئيس وزرائه أن يستقدمني، ضارباً للقاء موعداً من مساء يوم قريب. . . فلما أن أقترب الموعد، ركبت إلى قصر الشيخ، وكعبة الحجيج من أبناء الطائفة، في (وال كيشر).
ووال كيشر، هو من ثغر بمبى حي الطبقة الرفيعة من سراة الإقليم، أقيم على ربوة عالية تطل على المحيط وتشرف على المدينة كلها - لكأنه نجم سها عن ذكره الفلكي - ليس بين قصوره وعمائره إلا متاحف تنطق بغنى الهند وتفصح عن جاهها وترفع النقاب عن فنونها - من شاء أن يعلم أين تنصب كنوزها ففي هذا الحي السعيد مصبها، وفيه يستحيل الذهب فنوناً، وتقوم الرياض على قنة الجبل كأنها البنود المرفوعة. أليس زرعها يتماوج من مداعبة النسيم كما تتماوج البنود، أليست مطرزة بألوان من الزهر مختلفات بين أحمر القرنفل وأبيض النرجس وأصفر الورد وأزرق البنفسج، على صفحة من خضرة مذهبة؛ ثم لعل ما ينفح الناس من طيبها فينبههم إلى تحيها إذا أغفلوا، إنما يقوم في موضع تلك القداسة المعنوية التي تنبه الناس إلى تحية العلم.
بلغت السيارة بنا حي وال كيشر، فتباطأت عند أقدامه وتهيأت للتصعيد في مراقيه، وأخذت تطوي مسالكه ونحن في داخلها كأننا تحت أجنحة طائرة وقد مهد الطريق على شدة صعوده وكثرة متعرجاته، وامتد الزرع على جانبيه، وقد امتزج سكون الليل إذ ذاك وسكون العظمة يزدهي بها هذا الجبل الذي لا يحمل على أكتافه ولا يضم إلى صدره إلا العظماء وفنونهم؛ فإذا رهبة زاد بلوغها في النفس هذه الأضواء الخافقة التي تشع من مصابيح الطريق، ولا راجل في مراقي هذا الجبل بل سيارات تصعد بأهلها أو تهوي بهم فينة بعد فينة وفيم يقدم الراجل على ركوب هذا الجبل؟ وهو لا ناقة له فيه ولا جمل؟ أما خفوت الأضواء، فلعل له غاية لا تمت بسبب إلى مبادئ الاقتصاد، هذه المبادئ التي يلفظها هذا الجبل، بل لعله يرتفع بساكنيه معتصماً بالعلو من سيلها، وعاصما لهم منه إنما هي دعوة الجمال ومن آياتها إلا يطغي النور الصناعي على النور الطبيعي، على نور القمر وما أحاط به من كواكب.
كنا نجتلي مفاتن هذا المنظر السحري، والسيارة توغل فيه كأنما نسيت أنها تقصد بيتاً، فاندفعت على غير هدى تريد أن تصل إلى أعماق هذا الإبداع؛ أما أنا فقد مرت بي برهة ما شككت أثناءها في أنني اترك العالم، وفي أنني لن البث طويلاً حتى ابلغ ما وراء