للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الكون، واهتدي إلى أسرار الخلق وغوامض الحياة والموت. . ثم ليكن ما يكون، وما زالت أرواحنا تسمو ويخلص جوهرها من شوائب الدنيا وأعراضها وشهواتها حتى صارت كأنما فرغ الله من صنعها منذ طرفة عين، ذلك كله والسيارة تهتز في منعطفات الجبل كأنها سكرى. . . بل هي سكرى! ولم لا؟ وهي تسبح في خمر الطبيعة ثم لم لا؟ ومن شان هذا الجمال ان يشيع الحياة في الجماد.

انتهينا إلى بوابة رحيبة الجانبين مفتوحة المصراعين، وكلت حمايتها إلى حارسين عليهما أزياء الجند، ما إن نفذت سيارتنا منها ثم هوت خطوات في جادة القصر، حتى كنا في قلعة ذات أبراج تكاد تقطع بيننا وبين معالم الدنيا، وكأنما أعدت لتقارع الفناء وليمتنع بها الأبد.

ثم استقرت السيارة بنا في منتصف هذه الجادة عند ردهة على يمينها ذات ثلاثة أبواب وهنالك ابتذرنا خادمان ملتحيان هما من أبناء الطائفة بالسؤال، فاجبنا، وان هي إلا برهة حتى استقبلتنا غرفة الانتظار عن يمين الردهة فلما شرعت إليها ساقي، همس سائق السيارة في أذني بإنجليزيته المفهومة على أي حال، أن اخلع نعليك فذلك عند القوم سنة مؤكدة، وقد فعلت، ودخلت فإذا غرفة تتسع لنحو سبعة أمتار في نصفها، صفت إلى جدرانها كراسي نظيفة ليست بالوثيرة ولا بالخشنة، وكل أبهتها في سجادتها البيضاء المتسمة بأبهى الألوان في أبدع الشكول، وفي تلك الصور القليلة تحف بها إطاراتها الثمينة وقد ثبتت إلى الجدران وبينها صورة الحرم القدسي رصعت بالأصداف وقد علمت أنها كانت فيما حمله وفد المؤتمر الإسلامي إلى الهند من هدايا؛ فكانت نصيب هذه الغرفة

ظللت أتأمل محتويات الغرفة دقائق لعلها بلغت عشراً، حتى اقبل علي رجل معتدل القامة كريم الوجه، هو في ضحى العقد السادس من العمر، ينبئ الجد في ملامحه والنفوذ في عينيه خلف منظاره الأبيض، والانتصاب في قامته، والهدوء في نبرات صوته عن ان له في هذه الدنيا شأناً؛ طويل اللحية أسودها، يرتدي معطفاً قصيراً من أقمشة الصيف خفيف الاسمرار مشدوداً إلى عنقه، تحته بنطلون من القماش نفسه، وقد تعمم على طربوش، فحيا، ثم استوثق من أنني صاحب الموعد المضروب، فاقتداني إلى مجلس داعي الدعاة.

ذاك رئيس الوزارة البهرية، وكاتم سر إمامها، واقرب القوم إلى نفسه، وهو من وجوه المدينة واعلام رجال المال فيها، وهو ممن يلقي الحاكم إليهم سمعه، ولا يضن بالطاعة له

<<  <  ج:
ص:  >  >>