وينفعنا مثل الجماد هنا كما ينفعنا مثل النبات، فإن تاجر الحديد قد يكون أغنى وأقدر من تاجر الذهب، وقد يكون المنجم الذهبي أقل ربحا ومحصولا من المنجم الحديدي في حالة من الحالات، ولكن تقويم المعدنين لا يتوقف على تقويم التاجرين أو المنجمين، لأنهما لا يرجعان إلى نوع واحد من التقدير والحساب
ويقول الأستاذ محمد قطب:(قرأت سارة وقرأت في الديوان ما يقابلها من شعر، وهو شعر جيد رفيع، ولكنني لا أستطيع مع ذلك أن أقول إنني استغنيت به عن قراءة سارة، أو إن سارة ليس فيها جديد مفيد من الدراسات النفسية العميقة. . .)
فالذي نقوله إن الأستاذ غير مطالب بأن يقول هذا في باب الموازنة بين الروايات والقصائد، لأن موافقته على رأينا في الشعر والقصة لا تقتضيه أن يمحو القصة وأن يثبت الشعر وحده، وإنما يبقيهما ويبقي معهما الترجيح بينهما، ويقدم الشعر على القصة في هذا الترجيح
ولا حاجة به إلى جهد طويل للتسليم بفضل الشعر على القصة وفي هذه الموازنة، لأنه ينتهي إلى هذه النتيجة إذا سأل نفسه: أيهما أوفر محصولا من الشعور والثروة النفسية؟ ألف صفحة من الشعر المنتقى، أو ألف صفحة من الرواية المنتقاة؟
أما أنا فجوابي على ذلك جزماً وتوكيداً أن صفحات الشعر أوفر وأغنى. وأن معدن الشعر من أجل ذلك أنفس وأغلى من معدن الرواية
فإذا كان هذا رأيه فقد اتفقنا
وإذا لم يكن رأيه ورأيي متفقين في ذلك، فهذا هو الجمل وهذا هو الجمال كما يقولون في أمثالنا الوطنية: هات ألف صفحة من رواية أو عدة روايات، وخذ ألف صفحة من الشعر الرفيع، وارجع إلى حكم القراء فيما شعروا به بعد قراءة القصائد وقراءة الحكايات، أو قدر ما يشعرون به على سبيل الظن والتخمين، واحتفظ برأيك بعد ذلك كما تشاء
إنني لم أكتب ما كتبته عن القصة لأبطلها وأحرم الكتابة فيها، أو لأنفي عنها عمل قيم يحسب للأديب إذا أجاد فيه
ولكنني كتبته لأقول (أولا) إنني أستزيد من دواوين الشعر، ولا أستزيد من القصص في الكتب التي أقتنيها. وأقول (ثانياً) إن القصة ليست بالعمل الوحيد الذي يحسب للأديب،