وإنها ليست بأفضل الثمرات التي تثمرها القريحة الفنية، وإن اتخاذها معرضا للتحليل النفسي أو للإصلاح الاجتماعي لا يفرضها ضربة لازب على كل كاتب، ولا يكون قصارى القول فيه إلا كقصارى القول في الذهب والحديد: الحديد نافع في المصانع والبيوت، ولكنه لا يشتري بثمن الذهب في سوق من الأسواق
وكتب العالم الفاضل الأستاذ علي العماري المدرس بالأزهر يعقب على المقياسين اللذين ذكرتهما في الكتاب للمفاضلة بين الشعر والقصة، وهما (أولاً) أن القصة كثيرة الأدلة قليلة المحصول، و (ثانياً) أن الطبقة التي تروج بينها القصة لا ترتقي في الثقافة والذوق والتمييز مرتقى الطبقة التي تفهم الشعر وتشعر بمعانيه
وقد قال الأستاذ:(فالمقياس الأول تحدث عنه علماء البلاغة والنقد فكانوا يرون أن خير الكلام وأبلغه ما جمع المعنى الكثير في اللفظ القليل، وهذا المقياس - وإن صلح للمفاضلة بين عبارة وعبارة، أو بين بيتين من الشعر، أو قطعتين من النثر في موضوع واحد، فإنه لا يصلح للمفاضلة بين القصة والشعر. وذلك أن فائدة القصة ليست مقصورة على الغرض الأساسي الذي وضعت من أجله، ولم تكن خمسون صفحة في قصة ما ولو بلغت الطبقة الدنيا في القصص تمهيدا لفائدة تقال في سطر أو أسطر، ولكن هناك التصوير الرائع والوصف الدقيق لحركات الأحياء ونوازع النفوس)
والذي نقوله للأستاذ الفاضل إن الموازنة بين الشعر والقصة لا تكون إلا بذلك الميزان الذي قال أنه لا يصلح للمفاضلة بينهما.
لأنك إذا قلت إن هذه القصيدة أبلغ من تلك لجمعها المعنى الكثير في اللفظ القليل، فإنك لا تفاضل بين فنين أحدهما قاصر بطبيعته عن مرتبة الفن الآخر، ولكنك تفاضل بين كلامين أحدهما فاضل في الفن نفسه والآخر مفضول فيه
أما إذا قلت إن الشعر أفضل من القصة، لأن الشعر من شأنه أن يجمع المعنى الكثير في اللفظ القليل، فتلك هي المفاضلة بين طبيعة الشعر وطبيعة القصة، وإن بلغت في بابها غاية الإتقان
ونرجع إلى التمثيل بالذهب والحديد فنقول: إن ترجيح ذهب على ذهب بخفة الوزن يدل على أن الذهبين ذهب ناقص وأن الذهب الآخر ذهب كامل، ولا يفيدنا شيئاً في الموازنة