إليهم أمر الكون لحاروا في تسيره فهدموه، لأنهم لا يعرفون كيف يوفّقون ين أجزائه المتفاوتة المختلفة، لأنهم ناقصون، ويحسبون أن الكون فوضى لأن جميع أجزائه غير كاملة. . . فإذا أردنا حياة سعيدة أقرب إلى الكمال فلنفهمها بلغتها، ولا نحاول التعبير عنها بلغتنا، فقد صورت حقائقها مرة واحدة في كتاب نحن حروفه وكلماته وأرقامه، فنحن إذن النتيجة لا المسألة. . . والحروب دائماً تزلزل العقائد وتطفر بالناس والأخلاق، ومقاييسها طفرات أخرى غير المألوفة، فتشك قوماً وتجذب إلى الدين آخرين. . . ولكنه يعتقد أن الغيرة على الحق هي روح الإنسانية، أو هي مظهر أنانيتها وحب البقاء فيها، فإذا أريدت حياة سعيدة، فليسمع الناس صوت الطبيعة على سجيته قبل أن يضطروا إلى سماعه زمجرة ووعيداً، وليسمعه كل إنسان على شاكلته: الشرير فيتمادى في شره، والأمة فتقضي على هذا الشرير. . . وتسمعه الإنسانية فتنحى على الأمة التي تفرط في حقوق الحياة، أو تمسخ عناصرها الباقية في الأمم إيثاراً لمنافعها المحدودة (وما دام هذا الصوت مسموع النداء، فالعالم الإنساني ممدود البقاء)
وقد شرح العقاد هذا الآراء شرحاً جميلاً في رسالته، على ألسنة الحيوان والإنسان، فهو يتخيل الغاب، وقد وجد إنسان نفسه في هذا الغاب، ورأى هناك امرأة جميلة جليلة ولكنها ضريرة. هي الحياة أم المخلوقات. وقد دعتهم إليها لتلقي إليهم بنبأ خطير، فأسرعوا من كل حدب وصوب يستمعون إليه، وكل يراها في الهيئة التي يصورها له وهمه وخياله.
وألقت عليهم كلامها فإذا هي تعاتب المخلوقات كلها على ما شجر بينها من خلاف وبغضاء وفتنة. . . يطغى الأبيض على الأسود والصفر على الأبيض وهذا على ذاك. وهي تدعوهم إلى الوئام فيما بينهم على اختلاف المذاهب والألوان، ثم تشير على اليمامة - رمز السلام - لتحدثهم عن علم الإنسان وتواريخه وأديانه، ليكون لهم منها عظة وعبرة وزاجر. فيؤمنون جميعاً على كلامها، وكلهم ظاهر الرضى والاقتناع!
ووقف اليمامة تتكلم، فذكرت حقائق من التاريخ الملموس المتكرر كل يوم، بدأتها بالآية الكريمة (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض). وشرحتها بالشواهد الملموسة، وطالبت بالعدل والرحمة وبالإخاء بين القوي والضعيف!