وحينئذ وقف الثعلب قائلاً: وعظتكم اليمامة وأوصتكم بالضعفاء وقالت لكم إن الله بارك في مخلوقاته الضعيفة ليحرم عليكم قتلها. . . ثم يعارض الثعلب اليمامة في كل ما قالت ويتملق القوة والأقوياء فيفوز أثناء كلامه (بتصفيق من جانب الأسد!) - أقوى الحيوان - وهو يتكلم كلاماً منطقياً عن العرف والقوانين، فالسارق إذا سطا على بيت فضحوه، والقاتل إذا سلب أمة أو عمل فيها قتلاً عظموه!
وينتهي الثعلب، ويضج الآخرون بين معارض ومؤيد، ثم يقوم القرد - وهو ممثل الطموح أو الطماع. . . ولكنه المتدين ذو الضمير الحي المتمسك بالعدل والحقوق والقوانين الوحدة. فإن في تماسك الضعفاء قوة ضد الظالم الجبار. والديمقراطية الصحيحة السليمة جديرة بخلق شعوب نابغة صحيحة. أما الأرستقراطية المتعالية فمآلها ومآل حثالة شعبها جميعاً إلى الخسارة والفناء أو المصير الذي هو أسوأ من الفناء. هو حياة كحياة السائمة المتهالكة!
وبالها من مفارقة عجيبة! يدافع القرد عن الديمقراطية الصحية والإخاء والضمير، ويحمل على مبدأ القوة الغاشمة.
فيغضب النمر فيكاد يضربه فيتعلق القرد بأطراف الشجرة، ثم يقف الأسد فيهابه النمر فيخرس فالقرد الفيلسوف لم يستطع دفاعا عن نفسه، والأسد الشرس الأعم أرهب النمر، ولا فصاحة ولا بلاغة ولا فلسفة!
فأخلاق الأسد هي أخلاق بني الإنسان الجهلة الأقوياء. القوة الظالمة الغاشمة ولا شيء غيرها!
ثم تكلمت المرأة. وكان كلامها طبيعياً، تلك الثرثرة الأبدية الخالدة عن حقوقها التي اغتصبها منها الرجل، وعن نبوغها في أشياء وتقصيرها في الأخرى، ولكن الذنب ذنب الرجل، وكأنها إن أصابت فمن وحي عبقريتها. وإن أخطأت فمن الرجل وتجنيه عليها!
وهاهو الرجل يعقب عليها إنه يحذر كل الحذر من يوم تصل المرأة فيه إلى نصيب ولو قليل من الحرية لأنها شديدة الطيش والغرور، ولا تنال القليل حتى تطمع في الكثير، ولو أنها حرمت كل شيء لما طمعت في شيء ما، وهي تخلط كل شيء بسفسافها وألاعيبها.
ثم ينكر عليها الحرية المطلقة التي تطلبها، وهي تطلبها لأنها نوع جديد من الزينة، وهي لا تفهم لها مرمى. . .